للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومنها حديث عبادة بن الصامت: أن قوما جاءوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: «إن أبانا طلق امرأته ألفا فقال: " بانت امرأته بثلاث في معصية الله، وبقي تسعمائة وسبعة وتسعون وزرا في عنقه إلى يوم القيامة»، وأجيب بأن في سنده رجالا مجهولين وضعفاء فلا يصلح للاحتجاج به (١).

ومنها حديث علي قال: سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلا طلق ألبتة فغضب، وقال «أتتخذون آيات الله هزوا أو دين الله هزوا أو لعبا، من طلق ألبتة ألزمناه ثلاثا لا تحل له حتى تنكح زوجها غيره (٢)» فدل غضبه على المنع من جمع الثلاث بلفظ صريح أو كناية، وأجاب الدارقطني بأن في سند إسماعيل بن أمية القرشي، وهو ضعيف، وقال ابن القيم في سنده مجاهيل وضعفاء فلا يصح الاحتجاج به.

ومنها «أن ابن عمر لما طلق امرأته في الحيض وأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - بمراجعتها قال: أرأيت لو طلقتها ثلاثا أكانت تحل لي، قال: " لا بانت منك وهي معصية (٣)»، وأجيب بان في سنده شعيب بن رزيق وقد تكلموا فيه، وتفرد في هذا الحديث عن الثقات بزيادة قوله: أرأيت لو طلقتها ثلاثا، إلخ. . فلم يأت أحد منهم في روايته لهذا الحديث بما أتى به، ولذا لم يروا حديثه هذا أحد من أصحاب الصحاح ولا السنن (٤).

وأما الإجماع فقد أنذر عمر من يأته وقد طلق امرأته ثلاث تطليقات مجموعة بأن يوجعه ضربا، وحكم كثير من الصحابة بأن من يطلق ثلاثا مجموعة أو أكثر فقد عصى ربه واستنكروا ذلك من فاعله وجعلوه متعديا لحدود الله، وانتشر ذلك عنهم دون نكير، فكان إجماعا على المنع من جمع ثلاث طلقات فأكثر دفعة.

وأما المعنى فمن وجهين:

الأول أن النكاح عقد مصلحة، والطلاق إبطال له، فكان مفسدة، والله لا يحب الفساد.

الثاني: أن النكاح عقد مسنون بل واجب، وفي الطلاق قطع للسنة أو تفويت للواجب، فكان الأصل فيه الحظر أو الكراهة، إلا أنه رخص فيه للدواعي الطارئة كتوقع مفسدة من استمرار النكاح أشد من مفسدة الطلاق، فيرتكب أخف المفسدتين تفاديا لأشدهما (٥)، لكن يقتصر من ذلك على طلقة واحدة، إذ بها تندفع المفسدة، وما زاد عليها فيبقى على الأصل، وهو المنع ويشهد لكون الأصل في الطلاق الحظر حديث: «" أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة (٦)».

رواه أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه، وأما القياس فلأن التطليق ثلاثا دفعة فيه تحريم البضع من غير حاجة، فأشبه الظهار، فكان ممنوعا، ولأن فيه ضررا وإضرارا بنفسه وبامرأته، فأشبه الطلاق في الحيض فكان ممنوعا.


(١) ص - من البحث.
(٢) سنن أبو داود الطلاق (٢١٩٨).
(٣) صحيح البخاري الطلاق (٥٢٥٢)، صحيح مسلم الطلاق (١٤٧١)، سنن الترمذي الطلاق (١١٧٦)، سنن النسائي الطلاق (٣٣٩٢)، سنن أبو داود الطلاق (٢١٨٥)، سنن ابن ماجه الطلاق (٢٠١٩)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٥٩)، سنن الدارمي الطلاق (٢٢٦٢).
(٤) ص - من البحث.
(٥) ص - من البحث.
(٦) سنن الترمذي الطلاق (١١٨٧)، سنن أبو داود الطلاق (٢٢٢٦)، سنن ابن ماجه الطلاق (٢٠٥٥).