للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٢ - القول الثاني:

أن جمع الطلاق الثلاث في كلمة ليس بمحرم ولا بدعة، وبه قال الشافعي وأبو ثور وأحمد في إحدى الروايتين عنه، وجماعة من أهل الظاهر، واستدلوا لذلك بالكتاب والسنة والآثار والمعنى.

أما الكتاب فقوله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} (١) وقوله تعالى {إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} (٢)، وقوله تعالى {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} (٣)، فهذه تعم إباحة الثلاث والاثنتين فإنه تعالى لم يخص مطلقة طلقة واحدة من مطلقة ثلاثا، فليس لأحد أن يخصها إلا بدليل ويمكن أن يقال: إن المقصود في الجمل الشرطية الحكم بما تضمنه الجواب على تقدير تحقق فعل الشرط، بقطع النظر عن كونه فعل الشرط مطلوب الحصول أو مباحا أو ممنوعا، وعلى هذا يكون القصد من آية {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} (٤)، الحكم بتحريم الزوجة على زوجها الذي طلقها المرة الثالثة حتى تنكح زوجا غيره، وقد يكون طلاقها المرة الثالثة مأذونا فيه كما لو طلقها في طهر لم يمسها فيه طلقة، وقد يكون محرما كما لو طلقها المرة الثالثة في حيض مثلا، ويكون القصد من آية {إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} (٥)، عدم وجوب العدة على تقدير حصول الطلاق قبل الدخول، أما كون طلاقها مباحا أو محرما فيفهم من أمر آخر، وأما آية {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} (٦)، فالقصد منها إثبات المتعة للمطلقة، وجوبا أو ندبا، لا بيان حكم الطلاق، فقد يكون محرما وثبت لها المتعة، وقد يكون مباحا كما تقدم.

وبهذا يتبين أن الآيات الثلاث ليست في محل النزاع.

وأما السنة فمنها «حديث فاطمة بنت قيس، وفيه أن زوجها طلقها ثلاثا أو طلقها ألبتة وهو غائب، وبعث إليها وكيله بشعير نفقة لها، فسخطته، فقال: والله، ما لك علينا من شيء، فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال " ليس لك عليه نفقة (٧)» فلم يعب - صلى الله عليه وسلم - الثلاث مع الإجمال فيما بلغه من خبر الطلاق، ولم يستفسر عن كيفيته، ولفظ ألبتة هنا مراد به الثلاث، وإلا لم تسقط نفقتها ولا سكناها، وأجيب برواية الزهري هذا الخبر عن أبي سلمة وفيه ذكرت أنه طلقها آخر ثلاث تطليقات،


(١) سورة البقرة الآية ٢٣٠
(٢) سورة الأحزاب الآية ٤٩
(٣) سورة البقرة الآية ٢٤١
(٤) سورة البقرة الآية ٢٣٠
(٥) سورة الأحزاب الآية ٤٩
(٦) سورة البقرة الآية ٢٤١
(٧) صحيح مسلم الطلاق (١٤٨٠)، سنن الترمذي النكاح (١١٣٥)، مسند أحمد بن حنبل (٦/ ٣٧٣).