للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبراوية الزهري أيضا عن عبيد الله بن عبد الله بن مسعود أن زوجها أرسل إليها بتطليقة كانت بقيت لها من طلاقها، فذكر الخبر، وفيه أن مروان أرسل إليها قبيصة بن ذؤيب فحدثته. . . وذكر باقي الخبر، فكان هذا تفسير لما في الثلاث أو ألبتة من الإجمال، وأن ذلك لم يكن مجموعا، وأعلى ابن حزم الرواية الثانية بالانقطاع لعدم التصريح بالتحديث أو السماع، ويمكن أن يقال: إن ظاهرها الاتصال، لأنها في حكم الرواية بها لمتعته ونحوها، فصلحت تفسير للإجمال، وقال ابن حزم أيضا: إن كلا الخبرين ليس فيهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر بذلك، ويمكن أن يقال: إن الأصل بيان السائل الثقة الورع لواقع أمره، وخاصة الصحابة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وذلك لتطمئن النفس إلى موافقة الجواب للواقع، وعلى تقدير الاحتمال في حديث فاطمة، فحمله على ما كان شائعا كثيرا، وهو إفراد الطلاق أولى من حمله على النادر وهو جمع الثلاث في كلمة، ومنها حديث تلاعن عويمر وامرأته، وفيه أنه طلقها ثلاثا بعد اللعان قبل أن يأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - فلو كان جمع الثلاث ممنوعا لبين له النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه عاص بجمع الثلاث، وعلمه الطلاق المشروع.

وأجيب بأنه لما لم يصادف طلاقه محلا لم ينكر عليه، فإنها صارت أجنبية منه لا تحل له أبدا بتمام اللعان لا بالطلاق الثلاث، وإلا لحلت له بعد أن تنكح زوجا آخر، وقد أيد ذلك فيما سبق في حديث محمود بن لبيد من إنكاره - صلى الله عليه وسلم - على من طلق امرأته ثلاثة تطليقات جميعا وبهذا يجمع بين خبري الإنكار والسكوت بحمل أحدهما على طلاق صادف محلا، والآخر على ما إذا لم يصادف محلا، وأما قول سهل: فأنفذه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقوله: فمضت السنة بعد في المتلاعنين أن يفرق بينهما، فسيأتي الكلام عليه في موضعه من المسألة الثانية.

ومنها حديث المرأة التي طلقها زوجها ثلاثا، والأخرى التي بت زوجتها طلاقها وقد تزوجت كلا منهما بعد ذلك ثم طلقت قبل أن يجامعها، وأرادت أن ترجع إلى زوجها الأول فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - «لا حتى تذوقي عسيلته، ويذوق عسيلتك (١)»؛ فدل عدم نقل الإنكار من النبي - صلى الله عليه وسلم - طلاق الرجل امرأته ثلاثا أو بت طلاقها على جواز الجمع بين الثلاث، إذ لو كان ممنوعا لأنكره، ولو أنكره لنقل، أجيب أن اللفظ محتمل أن تكون الثلاث مجتمعة وأن تكون مفرقة، ولفظ ألبتة يعبر به عن الثلاث، وقد ثبت أن كلا منهما قد طلقها زوجها آخر ثلاث تطليقات، فليس في ذلك دليل لجواز جمع الثلاث.

وأما الآثار: فمنها ما روي أن عمر - رضي الله عنه - استفتى فيمن طلق امرأته ألبتة فاستحلفه عما أراد لحلف أنه أراد واحدة فردها إليه، ولم يقل له لو أردت ثلاثا لعصيت ربك، وأجيب بأن عمر أنكر عليه بقوله: ما حملك على هذا، وبتلاوة قوله تعالى {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا} (٢). ورد الجواب بأنه أنكر عليه عدوله في الطلاق عن اللفظ الصريح إلى لفظ مشكل محتمل وهو ألبتة.


(١) صحيح البخاري الشهادات (٢٦٣٩)، صحيح مسلم النكاح (١٤٣٣)، سنن الترمذي النكاح (١١١٨)، سنن النسائي الطلاق (٣٤٠٩)، سنن ابن ماجه النكاح (١٩٣٢)، مسند أحمد بن حنبل (٦/ ٢٢٦)، سنن الدارمي الطلاق (٢٢٦٧).
(٢) سورة النساء الآية ٦٦