للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد أجيب عن أصل الاستدلال بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنفذ تطليقات عويمر على الوجه الذي كان معروفا في عهده من اعتبارها واحدة رجعية، ثم حرمها عليه تحريما أبديا بدليل قوله في الحديث: فمضت السنة بعد في المتلاعنين أن يفرق بينهما، فإن التفريق يتأتى مع بقاء النكاح بخلاف ما إذا اعتبرت تطليقات عويمر ثلاثا، فإنها تكون أجنبية منه بذلك محرمة عليه حتى تنكح زوجا غيره (١).

وكذا يقال فيما أمضاه على المطلق في حديث محمود بن لبيد، فإن حمله على ما كان معروفا في عهده - صلى الله عليه وسلم - أقرب من حمله على الثلاث، بل هو المتعين.

ثانيا: حديث من طلقها زوجها ثلاثا وأبى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يبيحها لزوجها الأولى حتى يطأها الثاني، قالوا: الظاهر أنه طلقها ثلاثا مجموعة فأمضاها عليه النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإلا لحلت للأول دون أن تذوق عسيلة الثاني، وأجيب بأنه ورد في بعض الروايات أن الأول طلقها آخر ثلاث تطليقات، وعلى تقدير تعدد القصة وأن هذه الرواية كانت في إحداهما فكل منهما ليس فيها ما يدل على أن التطليقات كانت مجموعة، لجواز أن تكون متفرقة، بل في الحديث ما يدل على تفريقها فإنه لا يقال طلق ثلاثا إلا لمن فعل ذلك مرة بعد مرة كما يقال: سلم ثلاثا، وسبح ثلاثا، ومع هذا فقد كان المشهور في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - إيقاع الطلاق متفرقا، أما إيقاعه مجموعا فقد كان قليلا ومنكرا، وحمل اللفظ على الكثير الحق أقرب من حمله على القليل المنكر (٢).

ثالثا: حديث فاطمة بنت قيس، فإن زوجها طلقها ثلاثا مجموعة، وقد تقدم الكلام فيه، وفي مثله توجيها وإجابة، إلا أنه ذكر هنا زيادة في رواية مجالد بن سعيد عن الشعبي أن زوجها طلقها ثلاثا جميعا، وأجيب عنها بأنها قد تفرد بها مجالد عن الشعبي وهو ضعيف، وعلى تقدير الصحة فكلمة جميع في الغالب لتأكيد العدد، فالمعنى حصول الطلاق الذي يملكه جميعه لا اجتماعه، كما في قوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا} (٣)، فالمراد حصول الإيمان من جميعهم لا حصوله منهم في وقت واحد (٤). وذكر بعضهم أن تعبير فاطمة بنت قيس عن كيفية طلاقها مختلف الصيغة، ولم يفرق بينها الصحابة في الحكم، وإلا لاستفسروا عما فيها من إجمال، وأجيب بأن الإجمال زال برواية طلقها آخر ثلاث تطليقات، ورواية أرسل إليها بطلقة كانت بقيت لها (٥).

رابعا: حديث ركانة فإنه طلق امرأته سهيمة ألبتة، واستفسره النبي - صلى الله عليه وسلم عما أراد، واستحلفه عليه فحلف ما أراد إلا واحدة، فردها عليه، فدل على أنه لو أراد أكثر لأمضاه عليه،


(١) ص - من البحث.
(٢) ص - من البحث.
(٣) سورة يونس الآية ٩٩
(٤) ص - من البحث.
(٥) ص - من البحث.