للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إذ لو لم يفترق الحكم لما استفسره ولا استحلفه، وهذا الحديث وإن تكلم فيه من أجل الزبير بن سعيد فقد صححه بعض العلماء، وحسنه بعضهم، وذكر الحاكم له متابعا من بيت ركانة.

وأجيب بأن الإمام أحمد ضعف حديث طلاق ركانة زوجته ألبتة من جميع طرقه، وضعفه البخاري، وقال مضطرب فيه، تارة قيل فيه ثلاثا، وتارة قيل فيه واحدة، وعلى ذلك تترك الروايتان المتعارضتان، ويرجع إلى غيرهما، هذا وقد روي حديث تطليق ركانة امرأته ثلاثا وجعلها واحدة من طريقين إحداهما: عند الإمام أحمد من طريق سعد بن إبراهيم بسنده إلى ابن عباس مرفوعا، والثانية: في سنن أبي داود من طريق ابن صالح بسنده إلى ابن عباس مرفوعا فوجب المصير إلى ذلك، وأجيب عن الأولى بأنها لا تقوم بها الحجة، لمخالفتها فتيا ابن عباس، وستأتي مناقشة ذلك، وأجيب عن الثانية بأن في سندها مقالا لأن ابن جريج روى هذا الحديث عن بعض بني أبي رافع، ولأبي رافع بنون ليس فيهم من يحتج به إلا عبيد الله، وسائرهم مجهولون، وقد رجح أبو داود في سننه رواية نافع بن عجير في طلاق ركانة زوجته ألبتة على رواية بعض بني أبي رافع أن عبد يزيد طلق امرأته ثلاثا لذلك، ولفظ ابن جريج تسمية المطلق عبد يزيد مع أن عبد يزيد لم يدرك الإسلام، ولأن أهل بيت ركانة أعلم بحاله.

وقد أجاب ابن القيم بما خلاصته: سقوط رواية كل من نافع بن عجير وبعض بني أبي رافع لجهالة كل منهما، أما أن يرجح أحد المجهولين أو من هو أشد جهالة على الآخر فكلا، ويعدل إلى رواية الإمام أحمد من طريق سعد بن إبراهيم بسنده إلى ابن عباس لسلامته، فإن أحمد وغيره احتجوا به في مسائل النكاح والعرايا وغيرها، وقد ذكر فيه أن ركانة طلق امرأته سهيمة ثلاثا فجعلها - صلى الله عليه وسلم - واحدة (١). وستأتي لهذا زيادة بحث - إن شاء الله.

خامسا: حديث ابن عمر في تطليق زوجته في الحيض وفي آخره «فقلت يا رسول الله، أرأيت لو طلقتها ثلاثا أكان يحل لي أن أراجعها، قال " لا كانت تبين منك، وتكون معصية»؛ فإنه ظاهر في إمضاء الثلاث مجموعة، وأجيب أولا: بأن في سنده شعيب بن زريق الشامي عن عطاء الخراساني، وقد وثق الدارقطني شعيبا، وذكره ابن حبان في الثقات، وحكى عنه ابن حجر أنه قال: يعتبر بحديثه من غير روايته عن عطاء الخراساني، وقال الأزدي: فيه لين، وقال ابن حزم: ضعيف أما عطاء الخرساني فقد ذكره البخاري في الضعفاء، وقال ابن حبان كان رديء الحفظ يخطئ ولا يعلم؛ فبطل الاحتجاج به، ووثقه ابن سعد وابن معين وأبو حاتم، ومع ذلك فقد انفرد شعيب عن الأئمة الأثبات بهذه الزيادة؛ فإنه لم يعرف عن أحد منهم ذكرها.

سادسا: حديث عبادة بن الصامت في تطليق بعض آبائه امرأته ألفا فلما سأل بنوه النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «بانت منه بثلاث على غير السنة وتسعمائة وسبعة وتسعون إثم في عنقه»، وأجيب بأن في سنده رواة مجهولين وضعفاء.


(١) ص - من البحث.