للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والمعهود هو الطلاق المفهوم من قوله تعالى {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} (١)، وهو رجعي لقوله تعالى {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} (٢)، فالمعنى الطلاق من الذي يكون للزوج فيه حق الرجعة مرتان، مرة بعد مرة، ولا فرق في اعتبار كل مرة منهما واحدة بين أن يقول في كل مرة، طلقتك واحدة أو ثلاثا أو ألفا، فكل مرة منها طلقة رجعية لما سبق ولقوله تعالى بعد {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} (٣)، وأما قوله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} (٤)، فالضمير المرفوع والمنصوب فيه عائدان إلى المطلق والمطلقة فيما سبق لئلا يخلو الكلام عن مرجع لهما؛ ولأن الطلاق وقع بعد الشرط والحل بعد النفي فدل على العموم فلو كانت هذه الجملة مستقلة عما قبلها للزم تحريم كل مطلقة ولو طلقة أو طلقتين حتى تنكح زوجا آخر، وهو باطل بإجماع، وإذا فمعنى الآية: فإن طلقها مرة ثالثة بلفظ واحد طلقة أو ثلاثا فلا تحل له حتى تتزوج غيره، وبهذا يدل عموم الآية على اعتبار الثلاث بلفظ واحد طلقة، وقد سبقت مناقشة هذا الدليل.

ثانيا: قوله تعالى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} (٥). إلى قوله {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} (٦) وبيانه أن الجمهور استدلوا بها من وجوه على تحريم جمع الثلاث، وإذا فلا يقع منها مجموعة إلا ما كان مشروعا وهو الواحدة، وأجيب بأن التحريم لا يناقض إمضاء الثلاث فكم من عبادة أو عقد مشروع ارتكب فيه مخالفة، فقيل لصاحبه عصى وصحت عبادته ومضى عقده وعلى تقرير المناقضة فهو يمنع من إمضاء الواحدة أيضا، لوقوع الطلاق على خلاف ما شرع الله، وذلك ما لا يقول به أحد من الجمهور.

وأما السنة: فمنها - أولا - ما رواه مسلم في صحيحه من طريق ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: «كان الطلاق على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثالث واحدة، فقال عمر - رضي الله عنه -: إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم (٧)»، وأجيب عن الاستدلال به بما يأتي:

أولا: أنه حديث منسوخ؛ لأن ابن عباس أفتى بخلافه، فدل ذلك على أنه علم ناسخا له فاعتمد عليه في فتواه، ونوقش بأنه يمكن أن يكون اجتهد فوافق اجتهاده اجتهاد عمر - رضي الله عنهما - في إمضاء الثلاث تعزيرا للمصلحة كما تقدم، وأيضا لو علم ناسخا لذكره، مع وجود الدواعي إليه، ولم يكتف بمثل ما كان


(١) سورة البقرة الآية ٢٢٨
(٢) سورة البقرة الآية ٢٢٨
(٣) سورة البقرة الآية ٢٢٩
(٤) سورة البقرة الآية ٢٣٠
(٥) سورة الطلاق الآية ١
(٦) سورة الطلاق الآية ٢
(٧) صحيح مسلم الطلاق (١٤٧٢)، سنن النسائي الطلاق (٣٤٠٦)، سنن أبو داود الطلاق (٢١٩٩).