للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يعلل به في فتواه، وأيضا الصواب أن العبرة بما رواه الراوي لا بقوله، قالوا أيضا يدل على نسخ الحديث ما ذكر في سبب نزول قوله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} (١) من أن المطلق كان له الحق في الرجعة ولو طلق ألف مرة، ما دامت مطلقته في العدة، فأنزل الله الآية منعا لهم من الرجعة بعد المرة الثالثة حتى تنكح زوجا آخر، ونوقش أولا: بأنه روي مرسلا من طريق عروة بن الزبير ومتصلا من طريق عكرمة عن ابن عباس لكن في سنده علي بن حسين بن واقد، وهو ضعيف، وثانيا: بأنه استدلال في غير محل النزاع، فإنه ليس فيه الإلزام بالثالث في لفظ واحد.

وقالوا أيضا يدل على نسخه حديث امرأة رفاعة، وحديث اللعان، وحديث فاطمة بنت قيس وقد سبق الاستدلال بها ومناقشتها (٢).

وقالوا أيضا: يدل على نسخه إجماع الصحابة زمن عمر - رضي الله عنهم - على إمضاء الثلاث؛ فإنه لا يكون إلا عن علم بالناسخ، ونوقش بأنه لا يتأتى مع قول عمر: إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم، فلو كان اعتمادهم على العلم بالناسخ لذكروه ولم يعلل عمر بذلك، وأيضا كيف يستمر العمل بالمنسوخ في عهده - صلى الله عليه وسلم - وفي عهد أبي بكر وصدر من خلافة عمر - رضي الله عنهما -؟ مع كون الأمة معصومة في إجماعها عن الخطأ، ونوقش استمرار العمل بالمنسوخ في العهود الثلاثة بأنه إنما فعله من لم يبلغه النسخ، فلما كان زمن عمر انتشر العلم بالناسخ فأجمعوا على إمضاء الثلاث كما حصل في متعة النكاح سواء (٣)، ونوقش بأن متعة النكاح كان الخلاف فيها مستمرا بين الصحابة لعدم معرفة بعضهم بالناسخ المنقول نقلا صحيحا إلى أن أعلمهم به عمر في خلافته، ونهاهم عنها، بخلاف جعل الثلاث في لفظ واحد طلقة واحدة، فإنه ثابت في عهده - صلى الله عليه وسلم -، ولم يزل العمل عليه عند كل الصحابة في خلافة الصديق إلى سنتين أو ثلاث من خلافة عمر - رضي الله عنهما - إما فتوى أو إقرار أو سكوتا؛ ولهذا ادعى بعض أهل العلم أنه إجماع قديم، لم تجمع الأمة على خلافه بعد، بل لم يزل في الأمة من يفتي بجعل الثلاث واحدة (٤) ولم ينقل حديث صحيح يصلح أن يعتمد عليه في نسخ حديث ابن عباس، ويكون مستندا لما ذكر من الإجماع بل الذي روي في ذلك إما في غير الموضوع، وإما في الموضوع لكنه ضعيف أو مكذوب، ومع هذا فقد ثبت عن عكرمة عن ابن عباس ما يوافق حديث طاوس مرفوعا وموقوفا على ابن عباس، فالمرفوع هو أن ركانة طلق امرأته ثلاثا فردها عليه النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم يثبت ما يخالفه مرفوعا وقد سبقت مناقشة حديث ركانة وستأتي بقيتها (٥). ولا نكارة في إمضاء عمر للثلاث باجتهاده، ولا على غيره من الصحابة ممن وافق اجتهادهم اجتهاده في إمضائها، وقد بين عمر وابن عباس وغيرهما وجه ذلك بأن الناس لم تتابعوا فيما حرم الله عليهم من تطليقهم ثلاثا مجموعة وكثر منهم ذلك على خلاف


(١) سورة البقرة الآية ٢٢٩
(٢) ص - من البحث.
(٣) ص - من البحث.
(٤) ص - من البحث.
(٥) ص - من البحث.