للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فهل عرف من قبل التحييد للشجرة، والحيوان الأعجم مما يملكه العدو، وإبعادها عن ميدان المعركة لكونهما عنصري خير ونفع للبشر؟!

ولم يأذن الإسلام بقطع الأشجار المثمرة إلا في حدود ضيقة أشبه ما تكون بالضرورة التي يلجأ إليها للضغط على العدو المعاند المصر على القتال، حتى إن بعض الفقهاء منع ذلك مطلقا، وحمل ما ورد في ذلك على حالة خاصة لا تتعداها.

قال الحافظ ابن حجر: قوله - أي البخاري: (باب قطع الشجر والنخل) أي للحاجة والمصلحة إذا تعينت طريقا في نكاية العدو ونحو ذلك، وخالف في ذلك بعض أهل العلم، فقالوا: لا يجوز قطع الشجر المثمر أصلا، وحملوا ما ورد من ذلك: إما على غير المثمر، وإما على الشجر الذي قطع في قصة بني النضير كان في الموضع الذي يقع منه القتال، وهو قول الأوزاعي والليث وأبي ثور (١) ومن محافظة الإسلام على الشجرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قضاء الحاجة والتخلي في ظل الشجرة التي ينتفع بظلها.

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اتقوا اللعانين، قالوا: وما اللعانان يا رسول الله؟ قال: الذي يتخلى في طريق الناس أو في ظلهم (٢)» ويقاس على قضاء الحاجة رمي القمامات والأوساخ، والمياه النجسة والمتقذرة وغير ذلك مما يحول بين الناس وبين الانتفاع من الظل.

وقد دعا الإسلام إلى تكثير الشجر لما فيه من المنافع المتعددة، عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها (٣)».


(١) ابن حجر، فتح الباري (٥/ ٩).
(٢) أخرجه مسلم (الطهارة ١/ ٢٢٦)، وأبو داود (الطهارة ١/ ٢٨).
(٣) أخرجه أحمد (٣/ ١٨٣)، والبخاري في الأدب المفرد ص ٩٧، وانظر سلسلة الأحاديث الصحيحة (١/ ١١ - ١٣)