للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال في موضع آخر: المقصود أن هذه الأعمال التي هي فرض على الكفاية متى لم يقم بها غير الإنسان صارت فرض عين عليه، لا سيما إن كان عاجزا عنها فإذا كان الناس محتاجين إلى فلاحة قوم أو نساجتهم أو بنائهم صار هذا العمل واجبا يجبرهم ولي الأمر عليه إذا امتنعوا عنه بعوض المثل، كما إذا احتاج الجنود المرصودون للجهاد إلى فلاحة أرضهم ألزم من صناعته الفلاحة بأن يصنعها لهم، فإن الجند ملزمون بأن لا يظلموا الفلاح كما ألزم الفلاح أن يفلح للجند (١).

وقال ابن الحاج في المدخل: آكد ما على المكلف من الصنائع والحرف الزراعة التي بها قوام الحياة، وقوت النفوس (٢).

إن من الخطأ القبيح ما يتصوره بعض الناس من أن مهنة الزراعة من المهن الدنيئة المنحطة التي لا تليق بالرجل الكريم، وهو تصور لا يقوم على أساس سليم فالعمل المباح كله شرف لصاحبه لا يزري به بل يكرمه ويعلي مكانته عند الله تعالى ثم في أعين الناس، فكيف والزراعة من أشرف الأعمال وأجلها، وقد قال عدد من العلماء: إنها أفضل المكاسب، وإنها من فروض الكفاية على المسلمين، وفيها الأجر الجزيل للزارع والغارس ما انتفع بذلك منتفع من إنسان أو حيوان أو طير أو حشرة، وقد تكون من الصدقة الجارية التي لا ينقطع أجرها بعد الموت.

وقد كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يعتبرون الرجل الذي يعمل في إصلاح أرضه عاملا من عمال الله تعالى (٣).

إن ذلك التصور الخاطئ يفسر لنا انصراف كثير من الناس إلى الوظائف الحكومية، والأعمال الكتابية، والإدارية، وإهمال مساحات كبيرة من الأرض


(١) الفتاوى (٢٨/ ٧٩، ٨٠، ٨٢).
(٢) ابن الحاج، المدخل (٤/ ٤).
(٣) سلسلة الأحاديث الصحيحة ١/ ١٣.