العدد الكبير من الأحاديث النبوية الشريفة، وقد صاحبوا النبي صلى الله عليه وسلم مدة أطول بكثير مما صاحبه بها جرير. وهذا دليل على ذكائه الخارق وشدة لهفته على تلقي العلم من منابعه الأصيلة.
كما أن العلماء اعتبروا جريرا من أبرز أصحاب الفتيا من الصحابة، وهم علماء المسلمين من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام.
أما حسن خلق جرير فحدث عن البحر ولا حرج، وقد رأيت كيف كان يخدم أنسا خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم إكراما لرسول الله عليه الصلاة والسلام بخاصة والأنصار بعامة.
والأمثلة على حسن أخلاق جرير أكثر من أن تحكى، فقد جمع فضائل العرب ومزايا الإسلام في شخصه بشرا سويا يمشي على الأرض ويعايش الناس.
والمزية الثالثة هي الصبر والحكمة، فقد صبر وصابر في قتال المرتدين، حتى انتصر عليهم، وصبر وصابر في قتال الروم على أرض الشام حتى انتصر عليهم، وصبر وصابر في قتال الفرس على العراق وفارس حتى انتصر عليهم.
وصبر صبرا جميلا في محاولة جمع بجيلة، حتى نجح في محاولته على عهد عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه.
لقد كان جرير بحق يتحلى بالصبر الجميل، أما حكمته فتظهر واضحة في حديثه مع النبي صلى الله عليه وسلم والشيخين من بعده: أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب، وفي حواره مع عثمان ذي النورين وعلي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان، مما جعله يستحوذ على ثقتهم واحترامهم.
ولا أدل على حكمته من اعتزاله الفتنة الكبرى، فلم يشهر سيفه على مسلم، ولم يكن سببا مباشرا أو غير مباشر في نزف قطرة دم مسلم بسيف أخيه المسلم لا بسيف عدو من أعداء الإسلام والمسلمين، فليس من الحكمة أن يربح المرء هذه الدنيا ويخسر نفسه، وصدق الله العظيم:{أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ}(١)،