فخسر جرير باعتزاله مستقبله السياسي والإداري والعسكري، ولكنه ربح الآخرة، وما عند الناس لا يبقى، وما عند الله خير وأبقى.
إن اعتزال جرير الفتنة الكبرى كان مسلكا سليما بالنسبة لتعاليم الدين الحنيف الذي ارتضاه جرير لنفسه، وهو عين الحكمة بالنسبة لوجهة نظري وعين الصواب.
والمزية الرابعة التي قادت جريرا إلى النجاح في سفارته النبوية، هي مزية: سعة الحيلة، فقد كان ذكاؤه النادر وعقليته المتزنة الحاضرة وشخصيته القوية وعلمه وفصاحته وحسن تصرفه، هي الأدلة القاطعة على سعة حيلته ونفاذ بصيرته وسيطرته على المفاوضات سيطرة كاملة.
وليس هناك في المصادر المعتمدة نصوص محادثاته في سفارته، ولكن الأثر يدل على الأثير ومزايا جرير إنسانا تدل على سعة حيلته وأفقه أيضا.
والمزية الخامسة التي تحلى بها جرير، فاستحق - أن يتولى سفارة من السفارات النبوية، هي رواء المظهر.
فكما كان يتمتع برواء المخبر، كان يتمتع برواء المظهر، كان جميلا رائع الجمال، يلفت بجماله أنظار الرجال والنساء، كما يلفت طوله الفارع الأنظار إليه، فقد آتاه الله بسطة في الجسم. وكان رئيسا من رؤساء القبائل العربية في الجاهلية والإسلام، فلا بد من أن يهتم بمظهره الخارجي بما تضفي عليه شيئا من الروعة والبهاء.
تلك هي المزايا الخمس الرئيسة التي كان السلف الصالح يحرصون على أن يتمتع بها السفراء المسلمون، لذلك كانت السفارات الإسلامية غالبا نابهة جدا وتأتي بنتائج باهرة لصالح الإسلام والمسلمين.