للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خلاف ظاهره بلا دليل وإما طعن فيه بالشذوذ والاضطراب وضعف طاوس وهذا مردود بأن مسلما رواه في صحيحه وقد اشترط ألا يروي في كتابه إلا الصحيح من الأحاديث. ثم إن الطاعنين فيه قد احتجوا بقول عمر في آخره " إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم، فأمضاه عليهم " فكيف يكون آخره حجة مقبولة ويكون صدره مردودا لاضطرابه وضعف راويه وأبعد من هذا ما ادعاه بعضهم من أن العمل كان جاريا على عهد النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - يجعل الطلاق الثلاث واحده لكنه صلى الله عليه وسلم - لم يعلم بذلك، إذ كيف تصح هذه الدعوى والقرآن ينزل والوحي مستمر، وكيف تستمر الأمة على العمل بالخطأ في عهده وعهد أبي بكر وسنتين أو ثلاث من خلافة عمر، وكيف يعتذر عمر في عدوله عن ذلك إلى إمضائه عليهم بما ذكر في الحديث من استعجال الناس في أمر كانت لهم فيه أناة ومن الأمور الواهية التي حاولوا بها رد الحديث معارضته بفتوى ابن عباس على خلافه، ومن المعلوم عند علماء الحديث وجمهور الفقهاء أن العبرة بما رواه الراوي متى صحت الرواية لا برأيه وفتواه بخلافه لأمور كثيرة استندوا إليها في ذلك، وجمهور من يقول بأن الطلاق الثلاث بلفظ واحد يعتبر ثلاثا يقولون بهذه القاعدة، ويبنون عليها الكثير من الفروع الفقهية وقد عارضوا الحديث أيضا بما ادعوه من الإجماع على خلافه بعد سنتين من خلافة عمر - رضي الله عنه - مع العلم بأنه قد ثبت الخلاف في اعتبار الثلاث بلفظ واحد ثلاثا واعتباره واحدة بين السلف والخلف، واستمر إلى يومنا، ولا يصح الاستدلال على اعتبار الطلاق الثلاث بلفظ واحد ثلاثا بحديث عائشة - رضي الله تعالى عنها - في تحريم الرسول - صلى الله عليه وسلم - زوجة رفاعة القرظي عليه حتى تنكح زوجا غيره لتطليقه إياها ثلاثا، لأنه ثبت أنه طلقها آخر ثلاث تطليقات كما رواه مسلم في صحيحه فكان الطلاق مفرقا ولم يثبت أن رفاعة بن وهب النضري جرى له مع زوجته مثل ما جرى لرفاعة القرظي حتى يقال بتعدد القصة، وأن إحداهما كان الطلاق فيها ثلاثة مجموعة ولم يحكم ابن حجر بتعدد القصة بل قال: إن كان محفوظا - يعني حديث رفاعة النضري - فالواضح تعدد القصة، واستشكل ابن حجر تعدد القصة في كتابه الإصابة حيث قال: لكن المشكل اتحاد اسم الزوج الثاني عبد الرحمن بن الزبير.

الدليل الثالث: ما رواه الإمام أحمد في مسنده قال: حدثنا سعد بن إبراهيم حدثنا، أبي عن محمد بن إسحاق، قال حدثني داود بن الحصين عن عكرمة مولى ابن عباس، عن ابن عباس قال: «طلق ركانة بن عبد يزيد أخو بني المطلب امرأته ثلاثا في مجلس واحد فحزن عليها حزنا شديدا، قال: فسأله رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كيف طلقتها"، قال: طلقتها ثلاثا قال: فقال: "في مجلس واحد" قال: نعم، فقال: "فإنما تلك واحدة فارجعها إن شئت"، قال: فراجعها، (١)» قال: فكان ابن عباس يرى أن الطلاق عند كل طهر قال ابن القيم في كتابه أعلام الموقعين: " وقد صحح الإمام أحمد هذا الإسناد وحسنه "، وضعف أحمد وأبو عبيد والبخاري ما روي من أن ركانة طلق زوجته بلفظ - البتة.

الدليل الرابع: بالإجماع وبينة ابن تيمية وابن القيم وغيرهما بأن الأمر لم يزل على اعتبار الثلاث بلفظ واحد طلقة واحدة في عهد أبي بكر وسنتين أو ثلاث من خلافة عمر، وأن ما روي عن الصحابة من الفتوى بخلاف ذلك فإنما كان من بعضهم بعدما أمضاه عمر ثلاثا تعزيزا وعقوبة، لما استعجلوا أمرا كان لهم فيه أناة، ولم يرد عمر بإمضاء الثلاث أن يجعل ذلك شرعا كليا مستمرا وإنما أراد أن يلزم به ما


(١) سنن أبو داود الطلاق (٢١٩٦)، مسند أحمد بن حنبل (١/ ٢٦٥).