للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وجهة نظر المخالفين

نرى أن الطلاق الثلاث بلفظ واحد طلقة واحدة. وقد سبقنا إلى القول بهذا ابن عباس في رواية صحيحة ثابتة عنه، وأفتى به الزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود من الصحابة في رواية عنهم وأفتى به عكرمة وطاوس وغيرهما من التابعين وأفتى به ممن بعدهم محمد بن إسحاق وخلاس بن عمرو والحارث العكلي، والمجد بن تيمية، وشيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية، وتلميذه شمس الدين ابن القيم وغيرهم. . وقد استدل على ذلك بما يأتي:

الدليل الأول: قوله تعالى {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} (١) وبيانه: أن الطلاق الذي شرع للزوج فيه الخيار بين أن يسترجع زوجته أو يتركها بلا رجعة حتى تنقضي عدتها فتبين منه - مرتان مرة بعد مرة، سواء طلق في كل مرة منهما طلقة أو ثلاثا مجموعة، لأن الله تعالى قال {مَرَّتَانِ} (٢) ولم يقل طلقتان ثم قال تعالى في الآية التي تليها {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} (٣) فحكم بأن زوجته تحرم عليه بتطليقه إياها المرة الثالثة حتى تنكح زوجا غيره سواء نطق في المرة الثالثة بطلقة واحدة أم بثلاث مجموعة، فدل على أن الطلاق شرعا مفرقا على ثلاث مرات، فإذا نطق بثلاث في لفظ واحد كان مرة واعتبر واحده.

الدليل الثاني: ما رواه مسلم في صحيحه من طريق طاوس عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: «كان الطلاق الثلاث على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة، فقال عمر رضي الله عنه: إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم (٤)» وفي صحيح مسلم أيضا عن طاوس عن ابن عباس «أن أبا الصهباء قال لابن عباس هات من هناتك ألم يكن الطلاق الثلاث على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر واحدة، قال: قد كان ذلك، فلما كان في عهد عمر تتابع الناس في الطلاق فأجازه عليهم (٥)». فهذا الحديث واضح الدلالة على اعتبار الطلاق الثلاث بلفظ واحد طلقة واحدة وعلى أنه لم ينسخ لاستمرار العمل به في عهد أبي بكر وسنتين من خلافة عمر، ولأن عمر علل إمضاءه ثلاثا بقوله: "إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة" ولم يدع النسخ ولم يعلل الإمضاء به، ولا بظهوره بعد خفائه، ولأن عمر استشار الصحابة في إمضائه ثلاثا، وما كان عمر ليستشير أصحابه في العدول عن العمل بحديث علم أو ظهر له أنه منسوخ. . وما أجيب به عن حديث ابن عباس فهو إما تأويل متكلف، وحمل للفظه على


(١) سورة البقرة الآية ٢٢٩
(٢) سورة البقرة الآية ٢٢٩
(٣) سورة البقرة الآية ٢٣٠
(٤) صحيح مسلم الطلاق (١٤٧٢)، سنن النسائي الطلاق (٣٤٠٦).
(٥) صحيح مسلم الطلاق (١٤٧٢)، سنن أبو داود الطلاق (٢١٩٩).