وخيل تراها بالفضاء كأنها ... جراد صبا في قرة يتريع
فلما تلاقينا ودارت بنا الرحي ... وليس لأمر حمه الله مدفع
ضربناهم حتى تركنا سراتهم ... كأنهم بالقاع خشب مصرع
النصيحة: خيار القوم، المناورة: المداولة، نشارعهم: نشاربهم، ونشرع: نشرب، النبع: شجر تصنع منه القسي، اليثربي: الأوتار نسبة إلى يثرب، المنجوفة: السهام، الحرمية: نسبة إلى الحرم وأهله، الصاعدية: نسبة إلى صاعد صانعها، البصارة: حجارة لينة، تقعقع: تصوت، الصبا: ريح شرقية، يتريع: يجيء ويذهب، حمه الله: قدره، سراتهم: خيارهم، القاع: ما انخفض من الأرض.
في هذه الأبيات يصور الشاعر جيش قريش في كثرته الزاخرة، وكأن المسلمين لقوا به بحرا مائجا يتوسطه الأحابيش من عبيدهم بين حاسر ومقنع، وكان عدد المشركين ثلاثة آلاف (وهذا نص شعري يتلاقى مع النص التاريخي) أما المسلمون فكانوا ثلاث مئين وأربع من خيار القوم.
وصور الشاعر حركة المعركة بين الجيشين وهما يتداولان التقدم والتقهقر والمنية تجري بينهم فتنهش أظفارها من تناله، والمسلمون يسوقون أعداء الله إلى أحواض المنايا تارة ويساقون تارة، والقسي تعمل عملها بين هؤلاء وأولئك، وللأوتار اليثربية والسهام الحرمية الصاعدية التي ذر عليها السم أثناء صنعها عملها في الأجساد وهي تقع تارة بأبدان الرجال فتمزقها وتارة تخيب فتنطلق بين الأحجار اللينة تصوت، والخيل تنطلق كأنها جراد ريح شرقية تجيء وتذهب في بردها، وحينما دارت الرحى والتقى الجيشان ونزل بالقوم أمر الله الذي لا عاصم منه ضرب المسلمون المشركين حتى تركوا أخبارهم وهم خشب مصرعة.
وله في أحد كثير من القصائد بل الروائع وحسبنا مما قال الأبيات التالية:
ويوم له وهج دائم شديد التهاول حامي الأرينا
طويل شديد أوار القتال ... تنفي قواحزه المقرفينا
تحال الكماة بأعراضه ... ثمالا على لذة منزفينا
تعاور أيمانهم بينهم ... كئوس المنايا بحد الظبينا
شهدنا فكنا أولي بأسه ... وتحت العماية والمعلمينا
بخرس الحسيس حسان رواء ... وبصرية قد أجمن الجفونا
فما ينفللن وما ينحنين ... وما ينتهين إذا ما نهينا