للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيه مسائل: الأولى قوله تعالى وإن امرأة رفع بإضمار فعل يفسره ما بعده وخافت بمعنى توقعت وقول من قال خافت تيقنت خطأ. قال الزجاج: المعنى وإن امرأة خافت من بعلها دوام النشوز. قال النحاس: الفرق بين النشوز والإعراض أن النشوز التباعد. والإعراض أن لا يكلمها ولا يأنس بها.

ونزلت الآية بسبب سودة بنت زمعه. روى الترمذي عن ابن عباس قال: «خشيت سودة أن يطلقها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: لا تطلقني وأمسكني واجعل يومي منك لعائشة ففعل فنزلت (٢)» فما اصطلحا عليه من شيء فهو جائز. قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب.

وروى ابن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب أن رافع بن خديج كانت تحته خولة ابنة محمد بن مسلمة فكره من أمرها إما كبرا وإما غيره. فأراد أن يطلقها فقالت: لا تطلقني واقسم لي ما شئت فجرت السنة بذلك ونزلت {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} (٣).

وروى البخاري عن عائشة - رضي الله عنها - {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} (٤) قالت: الرجل تكون عنده المرأة ليس بمستكثر منها يريد أن يفارقها فتقول: أجعلك من شأني في حل، فنزلت هذه الآية وقراءة العامة (أن يصالحا) وقرأ أكثر الكوفيين (أن يصلحا) وقرأ الجحدري وعثمان البتي (أن يصلحا) والمعنى يصطلحا ثم أدغم.

الثانية: في هذه الآية من الفقه الرد على الرعن الجهال الذين يرون أن الرجل إذا أخذ شباب المرأة وأسنت لا ينبغي أن يتبدل بها.

قال ابن أبي مليكة: إن سودة بنت زمعة لما أسنت أراد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يطلقها، فآثرت الكون معه، فقالت له: أمسكني واجعل يومي لعائشة، ففعل - صلى الله عليه وسلم - وماتت وهي من أزواجه.

قلت: وكذلك فعلت بنت محمد بن مسلمة، روى مالك عن ابن شهاب عن رافع بن خديج أنه تزوج بنت محمد بن مسلمة الأنصارية، فكانت عنده حتى كبرت، فتزوج عليها فتاة شابة، فآثر الشابة عليها، فناشدته الطلاق فطلقها واحدة، ثم أهملها حتى إذا كانت تحل راجعها ثم عاد فآثر الشابة عليها فناشدته الطلاق فطلقها واحدة، ثم راجعها فآثر الشابة عليها فناشدته الطلاق فقال: ما شئت: إنما بقيت واحدة، فإن شئت استقررت على ما ترين من الأثرة وإن شئت فارقتك. قالت: بل أستقر على الأثرة. فأمسكها على ذلك، ولم ير رافع عليه إثما حين قرت على الأثرة. رواه معمر عن الزهري بلفظه ومعناه وزاد: فذلك الصلح الذي بلغنا أنه نزل فيه {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} (٥).


(١) سنن الترمذي تفسير القرآن (٣٠٤٠).
(٢) سورة النساء الآية ١٢٨ (١) {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ}
(٣) سورة النساء الآية ١٢٨
(٤) سورة النساء الآية ١٢٨
(٥) سورة النساء الآية ١٢٨