للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال أبو عمر بن عبد البر: قوله والله أعلم (فآثر الشابة عليها) يريد في الميل بنفسه إليها والنشاط لها لا أنه آثرها عليها في مطعم وملبس ومبيت، لأن هذا لا ينبغي أن يظن بمثل رافع والله تعالى أعلم. . وذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا أبو الأحوص عن سماك بن حرب عن خالد بن عرعرة عن علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه ٠ أن رجلا سأله عن هذه الآية فقال: هي المرأة تكون عند الرجل فتنبو عيناه عنها من دمامتها أو فقرها أو كبرها أو سوء خلقها وتكره فراقه فإن وضعت له من مهرها شيئا حل له (أن يأخذ) وإن جعلت له من أيامها فلا حرج.

وقال الضحاك: لا بأس أن ينقصها من حقها إذا تزوج من هي أشب منها وأعجب إليه. وقال مقاتل بن حيان: هو الرجل تكون تحته المرأة الكبيرة فيتزوج عليها الشابة، فيقول لهذه الكبيرة أعطيك من مالي على أن أقسم لهذه الشابة أكثر مما أقسم لك من الليل والنهار فترضى الأخرى بما اصطلحا عليه، وإن أبت ألا ترضى فعليه أن يعدل بينهما في القسم.

الثالثة: قال علماؤنا: وفي هذا أن أنواع الصلح كلها مباحة في هذه النازلة بأن يعطي الزوج على أن تصبر هي، أو تعطى هي على أن يؤثر الزوج، أو على أن يؤثر ويتمسك بالعصمة أو يقع الصلح على الصبر والأثرة من غير عطاء فهذا كله مباح، وقد يجوز أن تصالح إحداهن صاحبتها عن يومها بشيء تعطيها، كما فعل أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - وذلك أن رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - «كان غضب على صفية، فقالت لعائشة: أصلحي بيني وبين رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - وقد وهبت يومي لك (١)».

ذكره ابن خويز منداد عن عائشة. اهـ (٢).

فإذا كان النشوز من الزوج ولم يتم اصطلاح بين الزوجين فلا يحل له أن يستمر في نشوزه عليها والعضل لها ليضطرها أن تفتدي نفسها ببذلها ما آتاها أو بعضه ليطلقها بل عليه أن يمسكها بمعروف أو يسرحها بإحسان إلا أن يخافا ألا يقيما حدود ال، له فلا جناح عليهما فيما افتدت به، أو أن تأتي الزوجة بفاحشة مبينة فيباح له حينئذ عضلها ليأخذ ما آتاها أو بعضه ليطلقها. قال تعالى: {وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} (٣).

قال ابن جرير يعني تعالى ذكره بقوله: {وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا} (٤) ولا يحل لكم أيها الرجال أن تأخذوا من نسائكم إذا أنتم أردتم طلاقهن - لطلاقكم وفراقكم إياهن - شيئا مما أعطيتموهن من الصداق وسقتم إليهن بل الواجب عليكم تسريحهن بإحسان وذلك إيفاؤهن حقوقهن في الصداق والمتعة وغير ذلك مما يجب لهن عليكم {إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} (٥) - إلى أن قال - فإن قال قائل: وأية حال الحال التي يخاف عليهما ألا يقيما حدود الله حتى يجوز للرجل أن يأخذ حينئذ منها ما آتاها؟


(١) سنن أبو داود السنة (٤٦٠٢)، مسند أحمد بن حنبل (٦/ ٣٣٨).
(٢) تفسير القرطبي جـ٥ ص٤٠٣ وما بعده.
(٣) سورة البقرة الآية ٢٢٩
(٤) سورة البقرة الآية ٢٢٩
(٥) سورة البقرة الآية ٢٢٩