للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الله نبيه بعدما قتل سبعون من الصحابة، وجرح النبي صلى الله عليه وسلم وجماعة كثيرة من أصحابه. واجتهد المشركون في قتله فوقاه الله شرهم.

ولما أستنكر المسلمون هذا الحدث قال الله تعالى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا} (١) يعني "يوم بدر {قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} (٢) الآية.

ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم هو والمسلمون أصابهم ما أصابهم يوم أحد بسبب أمر فعله الرماة الذين أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يمسكوا ثغرا، وهو جبل الرماة، ولا يتركوه حتى لا يدخل منه جيش العدو، فلما رأى الرماة أن العدو قد أنكشف وانهزم، ظنوا أنها الفيصلة، فتركوا الثغر وصاروا يجمعون الغنيمة، وتركوا أمر النبي صلى الله عليه وسلم، فدخل العدو من ذلك الثغر، وحصل ما حصل من الهزيمة والمصيبة العظيمة على المسلمين، فأنزل الله قوله: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ} (٣) يعني تقتلونهم" {حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ} (٤) أي من الهزيمة للعدو، يعني بذلك الرماة، فشلوا وتنازعوا وتركوا أمر النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يصبروا، وعندما وقع منهم هذا سلط الله عليهم العدو وقال تعالى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (٥).

فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يصيبهم مثل هذه الهزيمة والقتل والجراح، بسبب ما وقع من بعضهم من الذنوب، فكيف بحالنا؟

فالواجب على أهل الإسلام أينما كانوا، أن يحاسبوا أنفسهم، وأن يجاهدوها في الله، ويتفقدوا عيوبهم، ويتوبوا إلى الله منها، كما قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} (٦).


(١) سورة آل عمران الآية ١٦٥
(٢) سورة آل عمران الآية ١٦٥
(٣) سورة آل عمران الآية ١٥٢
(٤) سورة آل عمران الآية ١٥٢
(٥) سورة آل عمران الآية ١٦٥
(٦) سورة الحشر الآية ١٨