مقيما وإن لم ينو الإقامة ورسول الله صلى الله عليه وسلم أقام بتبوك تسعة عشر يوما أو عشرين يوما وفي قول إذا أقام أربعة أيام كان مقيما ولا يباح له القصر (احتج) لقوله الأول: إن الإقامة متى وجدت حقيقة ينبغي أن تكمل الصلاة قلت الإقامة أو كثرت لأنها ضد السفر والشيء يبطل بما يضاده إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام بتبوك تسعة عشر يوما وقصر الصلاة فتركنا هذا القدر بالنص فنأخذ بالقياس فيما وراءه ووجه قوله الآخر على النحو الذي ذكرنا أن القياس أن يبطل السفر بقليل الإقامة، لأن الإقامة قرار والسفر انتقال والشيء ينعدم بما يضاده فينعدم حكمه ضرورة إلا أن قليل الإقامة لا يمكن اعتباره لأن المسافر لا يخلو عن ذلك عادة فسقط اعتبار القليل لمكان الضرورة ولا ضرورة في الكثير والأربعة في حد الكثرة لأن أدنى درجات الكثير أن يكون جمعا والثلاثة وإن كانت جمعا لكنها أقل الجمع فكانت في حد القلة من وجه فلم تثبت الكثرة المطلقة فإذا صارت أربعة صارت في حد الكثرة على الإطلاق لزوال معنى القلة من جميع الوجوه (ولنا) إجماع الصحابة رضي الله عنهم فإنه روي عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه أقام بقرية من قرى نيسابور شهرين وكان يقصر الصلاة وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه أقام بأذربيجان شهرا وكان يصلي ركعتين وعن علقمة أنه أقام بخوارزم سنتين وكان يقصر وروي عن عمران بن حصين رضي الله عنه أنه قال: «شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام فتح مكة، فأقام بمكة ثمان عشرة ليلة لا يصلي إلا الركعتين، ثم قال لأهل مكة: صلوا أربعا فإنا قوم سفر (١)» والقياس بمقابلة النص والإجماع باطل، وأما مدة الإقامة فأقلها خمسة عشر يوما عندنا وقال مالك والشافعي أقلها أربعة أيام وحجتهما ما ذكرنا وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للمهاجرين المقام بمكة بعد قضاء النسك ثلاثة أيام فهذه إشارة إلى أن الزيادة على الثلاث توجب حكم الإقامة (ولنا) ما روي عن ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم أنهما قالا: إذا دخلت بلدة وأنت مسافر وفي عزمك أن تقيم بها خمسة عشر يوما فأكمل الصلاة وإن كنت لا تدري متى تظعن فاقصر وهذا باب لا يوصل إليه
(١) سنن الترمذي الجمعة (٥٤٥)، سنن أبو داود الصلاة (١٢٢٩)، مسند أحمد بن حنبل (٤/ ٤٣٢).