للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الصلاة ما كان محبوسا (١) انتهى.

وقال ابن رشد: وأما اختلافهم في الزمان الذي يجوز للمسافر إذا أقام فيه في بلد أن يقصر فاختلاف كثير حكى فيه أبو عمر نحوا من أحد عشر قولا، إلا أن الأشهر منها هو ما عليه فقهاء الأمصار ولهم في ذلك ثلاثة أقوال: أحدها مذهب مالك والشافعي أنه إذا أزمع المسافر على إقامة أربعة أيام أتم.

والثاني مذهب أبي حنيفة وسفيان الثوري أنه إذا أزمع على إقامة خمسة عشر يوما أتم. والثالث مذهب أحمد وداود أنه إذا أزمع على أكثر من أربعة أيام أتم. وسبب الخلاف أنه أمر مسكوت عنه في الشرع والقياس على التحديد ضعيف عند الجميع، ولذلك رام هؤلاء كلهم أن يستدلوا لمذهبهم من الأحوال التي نقلت عنه عليه الصلاة والسلام أنه أقام فيها مقصرا أو أنه جعل لها حكم المسافر.

فالفريق الأول احتجوا لمذهبهم بما روي "أنه عليه الصلاة والسلام أقام بمكة ثلاثا يقصر في عمرته " وهذا ليس فيه حجة على أنه النهاية للتقصير، وإنما فيه حجة على أن يقصر في الثلاثة فما دونها. والفريق الثاني احتجوا لمذهبهم بما روي أنه أقام بمكة عام الفتح مقصرا وذلك نحو من خمسة عشر يوما في بعض الروايات، وقد روي سبعة عشر يوما وثمانية عشر يوما وتسعة عشر يوما، رواه البخاري عن ابن عباس، وبكل قال فريق. والفريق الثالث احتجوا بمقامه في حجه بمكة مقصرا أربعة أيام، وقد احتجت المالكية لمذهبها «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل للمهاجر ثلاثة أيام بمكة مقاما بعد قضاء نسكه (٢)» فدل هذا عندهم على أن إقامته ثلاثة أيام ليست تسلب عن المقيم فيها اسم السفر، وهي النكتة التي ذهب الجميع إليها، وراموا استنباطها من فعله عليه الصلاة والسلام: أعني متى يرتفع عنه بقصد الإقامة اسم السفر، ولذلك اتفقوا على أنه إن كانت الإقامة مدة لا يرتفع فيها عنه اسم السفر بحسب رأى واحد منهم في تلك المدة وعاقه عائق عن السفر أنه يقصر أبدا وإن أقام ما شاء الله.


(١) المدونة ص ١١٤ - ١١٧.
(٢) صحيح البخاري المناقب (٣٩٣٣)، صحيح مسلم الحج (١٣٥٢)، سنن الترمذي الحج (٩٤٩)، سنن النسائي تقصير الصلاة في السفر (١٤٥٤)، سنن أبو داود المناسك (٢٠٢٢)، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (١٠٧٣)، مسند أحمد بن حنبل (٥/ ٥٢)، سنن الدارمي الصلاة (١٥١١).