للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وروي عن علي، وعمر، وعثمان، وابن عمر، وشريح، وطاوس، والزهري في آخرين أن الخلع جائز دون السلطان وروى سعيد عن قتادة قال: كان زياد من رد الخلع دون السلطان. ولا خلاف بين فقهاء الأمصار في جوازه دون السلطان.

وكتاب الله يوجب جوازه وهو قوله تعالى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} (١) وقال تعالى {وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} (٢). فأباح الأخذ منها بتراضيهما من غير سلطان. . وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لامرأة ثابت بن قيس «أتردين عليه حديقته" قالت: نعم فقال للزوج "خذها وفارقها (٣)» يدل على ذلك أيضا لأنه لو كان الخلع إلى السلطان شاء الزوجان أو أبيا إذا علم أنهما لا يقيمان حدود الله لم يسألهم النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - عن ذلك ولا خاطب الزوج بقوله: "اخلعها" بل كان يخلعها منه ويرد عليه حديقته وإن أبيا أو واحد منهما. كما لما كانت فرقة المتلاعنين إلى الحاكم لم يقل للملاعن خل سبيلها. بل فرق بينهما، كما روى سهل بن سعد أن «النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - فرق بين المتلاعنين (٤)». كما قال في حديث آخر: «لا سبيل لك عليها (٥)». ولم يرجع ذلك إلى الزوج. فثبت بذلك جواز الخلع دون السلطان ويدل عليه أيضا قوله - صلى الله تعالى عليه وسلم -: «لا يحل مال امرئ إلا بطيبة من نفسه (٦)» اهـ. المقصود (٧).

وقال ابن حجر - رحمه الله - على قول البخاري في صحيحه وقول الله عز وجل: {وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} (٨). وأجاز عثمان الخلع دون عقاص رأسها. العقاص بكسر المهملة وتخفيف القاف وآخره صاد مهملة: جمع عقصة وهو ما يربط به شعر الرأس بعد جمعه.

وأثر عثمان هذا رويناه موصولا في أمالي أبي القاسم بن بشران من طريق شريك عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن الربيع بنت معوذ قالت: اختلعت من زوجي بما دون عقاص رأسي فأجاز ذلك عثمان، وأخرجه البيهقي من طريق روح بن القاسم عن ابن عقيل مطولا وقال في آخره: فدفعت إليه كل شيء حتى أجفت الباب بيني وبينه.

وهذا يدل على أن معنى دون: سوى، أي أجاز للرجل أن يأخذ من المرأة في الخلع ما سوى عقاص رأسها، وقال سعيد بن منصور، حدثنا هشام عن مغيرة عن إبراهيم كان يقال: الخلع ما دون عقاص رأسها.

وعن سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد يأخذ من المختلعة حتى عقاصها، ومن طريق قبيصة بن ذؤيب إذا خلعها جاز أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها ثم تلا: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} (٩) وسنده صحيح.


(١) سورة البقرة الآية ٢٢٩
(٢) سورة النساء الآية ١٩
(٣) صحيح البخاري الطلاق (٥٢٧٣)، سنن النسائي الطلاق (٣٤٦٣)، سنن ابن ماجه الطلاق (٢٠٥٦).
(٤) صحيح البخاري الطلاق (٥٣٠٩)، سنن أبو داود الطلاق (٢٢٥١).
(٥) صحيح البخاري الطلاق (٥٣١٢)، صحيح مسلم اللعان (١٤٩٣)، سنن أبو داود الطلاق (٢٢٥٧)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ١١).
(٦) مسند أحمد بن حنبل (٥/ ٧٣).
(٧) أحكام القرآن جـ (١) ص ٤٦٢ - ٤٦٨ المطبعة البهية.
(٨) سورة البقرة الآية ٢٢٩
(٩) سورة البقرة الآية ٢٢٩