للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ووجدت أثر عثمان بلفظ آخر أخرجه ابن سعد في ترجمة الربيع بنت معوذ من طبقات النساء قال: أنبأنا يحيى بن عباد حدثنا فليح بن سليمان حدثني عبد الله بن محمد بن عقيل عن الربيع بنت معوذ قالت - كان بيني وبين ابن عمي كلام - وكان زوجها - قالت - فقلت له: لك كل شيء وفارقني، قال قد فعلت فأخذ كل شيء حتى فراشي فجئت عثمان وهو محصور فقال: الشرط أملك خذ كل شيء حتى عقاص رأسها.

قال ابن بطال ذهب الجمهور إلى أنه يجوز للرجل أن يأخذ في الخلع أكثر مما أعطاها، وقال مالك: لم أر أحدا ممن يقتدى به يمنع ذلك، لكنه ليس من مكارم الأخلاق. ثم ساق شرح باقي الحديث، وقال بعد ذلك: -

وفي الحديث من الفوائد غير ما تقدم: أن الشقاق إذا حصل من قبل المرأة فقط جاز الخلع والفدية، ولا يتقيد ذلك بوجوده منهما جميعا، وأن ذلك يشرع إذا كرهت المرأة عشرة الرجل ولو لم يكرهها ولم ير منها ما يقتضي فراقها.

وقال أبو قلابة ومحمد بن سيرين لا يجوز له أخذ الفدية منها إلا أن يرى على بطنها رجلا. أخرجه ابن أبي شيبة. وكأنهما لم يبلغهما الحديث، واستدل ابن سيرين بظاهر قوله تعالى {إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} (١) وتعقب بأن آية البقرة فسرت المراد بذلك مع ما دل عليه الحديث ثم ظهر لي لما قاله ابن سيرين توجيه وهو تخصيصه بما إذا كان ذلك من قبل الرجل بأن يكرهها وهي لا تكرهه فيضاجرها لتفتدي منه فوقع النهي عن ذلك إلا أن يراها على فاحشة ولا يجد بينة، ولا يحب أن يفضحها فيجوز حينئذ أن يفتدي منها ويأخذ منها ما تراضيا عليه ويطلقها فليس في ذلك مخالفة للحديث لأن الحديث ورد فيما إذا كانت الكراهة من قبلها.

واختار ابن المنذر أنه لا يجوز حتى يقع الشقاق بينهما جميعا، وإن وقع من أحدهما لا يندفع الإثم، وهو قوي موافق لظاهر الآيتين، ولا يخالف ما ورد فيه وبه قال طاوس، والشعبى وجماعة من التابعين وأجاب الطبري وغيره عن ظاهر الآية بأن المرأة إذا لم تقم بحقوق الزوج التي أمرت بها كان ذلك منفرا للزوج عنها غالبا، ومقتضيا لبغضه لها فنسبت المخالفة إليها لذلك، وعن الحديث بأنه - صلى الله تعالى عليه وسلم - لم يستفسر ثابتا هل أنت كارهها كما كرهتك أم لا. اهـ المقصود (٢).


(١) سورة النساء الآية ١٩
(٢) فتح الباري جـ / ٩ ص (٢٣٠ - ٣٣١).