للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال محمود العيني أي هذا باب في بيان الخلع - بضم الخاء المعجمة وسكون اللام - مأخوذ من خلع الثوب والنعل ونحوهما وذلك لأن المرأة لباس للرجل كما قال الله تعالى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} (١) وإنما جاء مصدره بضم الخاء تفرقة بين الأجرام والمعاني، يقال: خلع ثوبه ونعله خلعا بفتح الخاء وخلع امرأته خلعا وخلعة بالضم.

وأما حقيقته الشرعية فهو فراق الرجل امرأته على عوض يحصل له، وهكذا قاله شيخنا في شرح الترمذي وقال هو الصواب، وقال كثير من الفقهاء: هو مفارقة الرجل امرأته على مال وليس بجيد، فإنه لا يشترط كون عوض الخلع مالا، فإنه لو خالعها عليه من دين أو خالعها على قصاص لها عليه فإنه صحيح وإن لم يأخذ الزوج منها شيئا، فلذلك عبرت بالحصول لا بالأخد.

قلت قال أصحابنا: الخلع إزالة الزوجية بما يعطيه من المال، وقال النسفي: الخلع الفصل من النكاح بأخذ المال بلفظ الخلع وشرطه شرط الطلاق وحكمه وقوع الطلاق البائن وهو من جهته يمين ومن جهتها معاوضة، وأجمع العلماء على مشروعية الخلع إلا بكر بن عبد الله المزني التابعي المشهور حكاه ابن عبد البر في التمهيد، وقال عقبة بن أبي الصهباء سألت بكر بن عبد الله المزني عن الرجل يريد أن يخالع امرأته فقال: لا يحل له أن يأخذ منها شيئا، قلت: فأين قوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} (٢) قال هي منسوخة قلت: وما نسخها؟ قال ما في سورة النساء، قوله تعالى: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا} (٣) الآية.

قال ابن عبد البر قول بكر بن عبد الله هذا خلاف السنة الثابتة في قصة ثابت بن قيس وحبيبة بنت سهل وخالف جماعة الفقهاء والعلماء بالحجاز والعراق والشام انتهى. وخصص ابن سيرين وأبو قلابة جوازه بوقوع الفاحشة فكانا يقولان: لا يحل للزوج الخلع حتى يجد على بطنها رجلا لأن الله تعالى يقول {إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} (٤).

قال أبو قلابة فإذا كان ذلك فقد جاز له أن يضارها ويشق عليها حتى تختلع منه، قال أبو عمر: ليس هذا بشيء لأن له أن يطلقها، أو يلاعنها. وأما أن يضارها ليأخذ مالها فليس له ذلك. اهـ (٥).

وقال في حاشية المقنع على قوله (ولا يستحب أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها فإن فعل كره وصح) إذا تراضيا على الخلع بشيء صح وإن كان أكثر من الصداق وهذا قول أكثر أهل العلم، روى ذلك عن عثمان وابن عمر وابن عباس وعكرمة ومجاهد وقبيصة والنخعي ومالك والشافعى وأصحاب الرأي. وروي عن ابن عباس وابن عمر أنهما قالا: لو اختلعت امرأة من زوجها بميراثها وعقاص رأسها كان ذلك جائزا. وقال عطاء وطاوس والزهري وعمرو بن شعيب: لا يأخذ أكثر مما أعطاها وروي ذلك عن علي بإسناد


(١) سورة البقرة الآية ١٨٧
(٢) سورة البقرة الآية ٢٢٩
(٣) سورة النساء الآية ٢٠
(٤) سورة النساء الآية ١٩
(٥) عمد القارئ جـ ٢٠ ص ٢٦٠ وما بعدها.