ترتبط العلة بالحكمة ارتباطا وثيقا، ولكنهما في الأغلب الأعم من الأحوال مستقلان، ولكي يتضح الفارق بين العلة والحكمة على نحو جلي محسوس، بعيدا عن التجريد فإنه يمكن القول: إن الله سبحانه وتعالى، قد شرع قصر الصلاة في السفر دفعا للمشقة، ولذا يقال إن علة قصر الصلاة هي السفر، والحكمة من قصر الصلاة هي دفع المشقة، وسواء بانت العلة أو لم تبن، وظهرت الحكمة أو لم تظهر، فإن الدعاة إلى الله يجب أن يستفرغوا جهودهم في سبيل جلاء كل منهما، وطرحهما على بساط التفكر والتدبر أمام المسلمين عامة، ومن توجه إليهم سهام التغريب والاستشراق والعلمانية والماسونية ودعاة المدنية المادية الزائفة، والمشككين، ومن يعبدون الله على حرف، والمنافقين، وطلاب الدنيا، والباحثين عن زخارفها، بصفة خاصة، لأن المستهدف أولى بالرعاية.
ويقول ثقات الباحثين إن "جماهير العلماء من الصحابة والتابعين ومن جاء بعدهم، ذهبوا إلى أن أحكام الشرع معللة بجلب المصالح للعبد، دنيوية أو أخروية، ودرء المفاسد بكل أنواعها، وسواء منها ما كان معقول المعنى، وما لم يكن كذلك، ولم يخالف هذا إلا بعض الظاهرية ".
ولسنا الآن بصدد تعريف العلة والحكمة ووضع الضوابط الدقيقة للتمييز بينهما، وذلك هدف نظري يتجاوز المنظور العملي لهذه الدراسة، وحسبنا القول: إن العلة قد تكون وسيلة للوقوف على الحكمة، حين تكون العلة علامة من "العلامات المعرفة للحكم الخاص "(١) وأداة للحيلولة دون استباحة المحارم، حين تؤدي في القياس الشرعي دور وجه الشبه بين الأصل، أي المقيس عليه وبين الفرع، أي المقيس، وحيث يتم إنزال حكم الأصل على الفرع،
(١) الشاطبي (أبو اسحاق إبراهيم بن موسى اللخمي) الموافقات تعليق عبد الله دراز، ط ١، ج ٢، ص ٦.