للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

للاشتراك في العلة، من خلال ما يعرف بقياس التعليل المحض (١)، أملا في حكمة الله تعالى من التشريع، وهي حكمة عبادية في جوهرها، وإن تعددت صورها، قال تعالى في محكم التنزيل: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (٢).

وقد ارتبط التعليل بالحكمة في كث

ير من آيات الأحكام الشرعية الغراء. قال تعالى في حض البشر على الطهر: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ} (٣) وفي التماس الفتوى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (٤) وفي الإقدام على العبادات التي تنأى بالإنسان عن المنكر {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} (٥) واستعمال الحق المأذون فيه لدفع الظلم {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} (٦) وفي ربط القصاص بالحكمة منه {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (٧) والآيات في هذا الصدد كثيرة.

وقد ربط بعض فقهاء الشريعة بين العلة والحكمة وجعلوهما مترادفين في عموم إطلاقهما. وإن كانت النظرة الفاحصة تشف عن أنهم تدرجوا في تعبيراتهم تدرجا يبدأ بالعلة وينتهي بالحكمة، فالشيخ محمد رشيد رضا يطلق لفظ العلة قاصدا منه الحكمة وذلك بمناسبة بيانه لمفهوم قوله تعالى: {جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ} (٨) حيث يقول إن "هذا تعليل للحد، أي اقطعوا


(١) شيخ الإسلام ابن تيمية، الرد على المنطقيين، لاهور، ط ٦ (١٤٠٤هـ)، ص ٣٦٥.
(٢) سورة الذاريات الآية ٥٦
(٣) سورة المائدة الآية ٦
(٤) سورة البقرة الآية ١٨٣
(٥) سورة العنكبوت الآية ٤٥
(٦) سورة الحج الآية ٣٩
(٧) سورة البقرة الآية ١٧٩
(٨) سورة المائدة الآية ٣٨