للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبيانا لما تقدم فلا شك أن الإيمان بالله سبحانه وتعالى هو البداية الصحيحة لوقوف الإنسان على حكم حقائق الكون، ودقائق الحياة (١) التي أتى التشريع لكمال سيرها؛ ذلك أن نواميس الكون قد تفزع الإنسان فيتخبط في ظلمات الضلال، ولذا كان لا بد له أن يؤمن، حتى يتبين حقائق الوجود، من غير اصطدام أو تخبط، ولقد تعوز إلى ذلك أيضا ضرورة فطرية، وضرورة حسية، وضرورة عقلية (٢)، فبالعقل يمكن إدراك حقائق هذه الحياة، وهذا العقل ذاته هو مناط التكليف.

وإذا صح أن العقل يمكن أن يفضي إلى إدراك حقائق الوجود، عند ما يكون عقلا محايدا ومتجردا، لا عقلا ميكانيكيا أو آليا متعصبا، لذا فإنه من المعقول قبول الوحي سبيلا أول قبله لإدراك الحقائق الإيمانية، وبالتالي الوقوف على مفهوم الإسلام، وشريعة الإسلام والحكم التشريعية أو الحكم التي وردت في البنيان التشريعي في الإسلام مع الإيمان بأن قصور العقل وارد، لأن الإنسان لا يمكن أن يدرك كل الحكم التي بنى عليها الحكيم العليم أحكامه وجعلها بواعث للاطمئنان، ودوافع للتيقن، إن حكم الشارع محايدة، وتشريعه سام سموا مطلقا، ولذلك يجب الإيمان بحكم التشريع ظهرت أو لم تظهر.

من الواضح، إذن، أن إعمال العقل في ظل الشرع لإدراك حقائق الكون، ومنه الحقيقة التشريعية وحكمها الجلية أو الخفية ما أمكن، يفضي إلى إحساس المسلم بالرضا، فإن غلب عليه هذا الإحساس اطمأن، وإذا اطمأن رضي، وإذا رضي أنتج ما يبقى بعد أن يفني كل ما لا يبقى، أي يبقي حضارة وعمرانا أساسهما العلم الإيماني الذي يقود الناس إلى مزيد من الإيمان، ومن هنا أمكن القول أنه إذا كان العقل في الإسلام أساس بناء الحضارة في ظل شرع الله، فإن هذه الحضارة تكون حضارة عقلية إيمانية، تسطر للتاريخ ما لا تستطيع أن


(١) انظر يوسف كمال، وسائل المعرفة، المسلم المعاصر، ص ٢، ع ٦، ص ٤٩ وما بعدها.
(٢) يوسف كمال، مصدر المعرفة، المسلم المعاصر، ص ٢، ع ٥، ص ٢٩ وما بعدها.