تنقش حرفا واحدا منه أية حضارة لا أخلاقية، ولقد اتسمت حضارة الإسلام، بأنها، رغم صبغتها الدينية، تستجيب لنداء العقل، بدليل أنها كانت دائما حضارة متفتحة، تقبل كافة الثمرات الروحية والعقلية والمادية كعناصر جوهرية، تفضي إلى انتشارها بصورة تلقائية، طالما لم تخالف الحكم التشريعية الإلهية، ومن هنا كرم الله الإنسان بالعقل، وكان أسلافنا على مستوى تكريم الله لهم؛ ذلك أنهم حيث وجدوا أنه لا يفيد إلا العقل. . . بمفهومه الدال على القدرة الإيمانية على التجريد والجمع والتفريق والتصنيف والحكم، فقد استعملوا هذا العقل في حدود معطياته وفي إطار قدراته، بيد أنهم استنفروا طاقة أخرى من متعلقاته وهي البصيرة أو الحدس، فتزاوج العقل مع العاطفة، والتقى الوجدان مع المعرفة (١) التقاء حق انعكس أثره خيرا وبركة على فهم حكم التشريع الإسلامي.
(١) محمد كمال جعفر، فكر بلا نزعات ولا نزغات، المسلم المعاصر، س ٧، ع ٢٦، ص ٩.