للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فتضمن هذا الحكم النبوي عدة أحكام، أحدها: جواز الخلع كما دل عليه القرآن قال تعالى: {وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} (١) ومنع الخلع طائفة شاذة من الناس، خالفت النص والإجماع، وفي الآية دليل على جوازه مطلقا بإذن السلطان وغيره، ومنعه طائفة بدون إذنه، والأئمة الأربعة، والجمهور: على خلافه، وفي الآية دليل على حصول البينونة. لأنه سبحانه وتعالى سماه " فدية " ولو كان رجعيا - كما قال بعض الناس - لم يحصل للمرأة الافتداء من الزوج بما بذلته له. ودل قوله سبحانه وتعالى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} (٢) على جوازه بما قل أو كثر، وأن له أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها.

وقد ذكر عبد الرازق عن معمر عن عبد الله بن محمد بن عقيل: أن الربيع بنت معوذ بن عفراء حدثته: أنها اختلعت من زوجها بكل شيء تملكه، فخوصم في ذلك إلى عثمان بن عفان - رضي الله تعالى عنه - فأجازه، وأمره أن يأخذ عقاص رأسها فما دونه.

وذكر أيضا عن ابن جريج عن موسى بن عقبة عن نافع أن ابن عمر جائته مولاة لامرأته اختلعت من كل شيء لها، وكل ثوب لها حتى نقبتها. ورفعت إلى عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - امرأة نشزت عن زوجها فقال: " اخلعها ولو من قرطها " ذكره حماد بن سلمة عن أيوب عن كثير بن أبي كثير عنه. وذكر عبد الرازق عن عمر عن ليث عن الحكم بن عتبة عن علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - " لا يأخذ منها فوق ما أعطاها ".

وقال طاوس: " لا يحل أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها " وقال عطاء: " إن أخذ زيادة على صداقها فالزيادة مردودة إليها " وقال الزهري: " لا يحل له أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها " وقال ميمون بن مهران: " إن أخذ منها أكثر مما أعطاها لم يسرح بإحسان " وقال الأوزاعي: " كانت القضاة لا تجيز أن يأخذ منها شيئا إلا ما ساق إليها ". .

والذين جوزوه: احتجوا بظاهر القرآن وآثار الصحابة، والذين منعوه: احتجوا بحديث أبي الزبير «أن ثابت بن قيس بن شماس لما أراد خلع امرأته. قال النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - " أتردين عليه حديقته؟ " قالت: نعم، وزيادة، فقال النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم -: " أما الزيادة فلا» قال الدارقطني: سمعه أبو الزبير من غير واحد وإسناده صحيح. قالوا: والآثار من الصحابة مختلفة. فمنهم من روي عنه تحريم الزيادة، ومنهم من روي عنه إباحتها، ومنهم من روي عنه كراهتها.

كما روي عن وكيع عن أبي حنيفة عن عمار بن عمران الهمداني عن أبيه عن علي " أنه كره أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها " والإمام أحمد أخذ بهذا القول، ونص على الكراهة. وأبو بكر من أصحابه حرم الزيادة


(١) سورة البقرة الآية ٢٢٩
(٢) سورة البقرة الآية ٢٢٩