للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

منهما ليحملهما على الواجب لكل واحد منهما قبل صاحبه لا التفريق بينهما. ثم ذكر مجموعة آثار بأسانيدها إلى الحسن وقتاده وعلي بن أبي طالب وابن عباس وابن زيد تدل على ذلك. وذكر رأيا ثالثا في أن الذي يبعث الحكمين السلطان على أن حكمهما ماض على الزوجين في الجمع والتفريق وذكر مجموعة آثار بأسانيدها إلى ابن عباس ومعاوية وابن سيرين وسعيد بن جبير وعامر وإبراهيم وأبي سلمة بن عبد الرحمن والضحاك. ثم قال بعد ذلك: وأولى الأقوال بالصواب في قوله تعالى: {فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} (١). أن الله سبحانه خاطب المسلمين بذلك وأمرهم ببعثة الحكمين عند خوف الشقاق بين الزوجين للنظر في أمرهما ولم يخصص بالأمر بذلك بعضهم دون بعض وقد أجمع الجميع على أن البعثة في ذلك ليست لغير الزوجين وغير السلطان الذي هو سائس أمر المسلمين أو من أقامه في ذلك مقام نفسه. واختلفوا في الزوجين والسلطان ومن المأمور بالبعثة في ذلك: الزوجان أو السلطان؟ ولا دلالة في الآية تدل على أن الأمر بذلك مخصوص به أحد الزوجين ولا أثر به عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والأمة فيه مختلفة.

وإذا كان الأمر على ما وصفنا فأولى الأقوال في ذلك بالصواب: أن يكون مخصوصا من الآية ما أجمع الجميع على أنه مخصوص منها وإذا كان ذلك كذلك فالواجب أن يكون الزوجان والسلطان ممن شمله حكم الآية والأمر بقوله: {فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} (٢) إذ كان مختلفا بينهما هل هما معنيان بالأمر بذلك أم لا؟ - وكان ظاهر الآية قد عمهما - فالواجب من القول إذ كان صحيحا ما وصفنا أن يقال: إن بعث الزوجان كل واحد منهما حكما من قبله لينظر في أمرهما وكان كل واحد منهما قد بعثه من قبله في ذلك لما له على صاحبه ولصاحبه عليه فتوكيله بذلك من وكل جائز له وعليه. وإن وكله ببعض ولم يوكله بالجميع كان ما فعله الحكم مما وكل به صاحبه ماضيا جائزا على ما وكله. وذلك أن يوكله أحدهما بماله دون ما عليه. وإن لم يوكل كل واحد من الزوجين بما له وعليه أو بما له أو بما عليه لا الحكمين كليهما لم يجز إلا ما اجتمعا عليه دون ما انفرد به أحدهما. وإن لم يوكلهما واحد منهما بشيء وإنما بعثاهما للنظر بينهما ليعرفا الظالم من المظلوم منهما ليشهدا عليهما عند السلطان إن احتاجا إلى شهادتهما - لم يكن لهما أن يحدثا بينهما شيئا غير ذلك من طلاق، أو أخذ مال أو غير ذلك، ولم يلزم الزوجين ولا واحدا منهما شيء من ذلك. اهـ المقصود (٣).

وذكر أبو بكر الجصاص أن الحكمين وكيلان ليس لهما إلا ما وكلا فيه وأن أمر الجمع بين الزوجين أو التفريق خاص بالحاكم وإن الخطاب في قوله تعالى: وإن خفتم للحاكم


(١) سورة النساء الآية ٣٥
(٢) سورة النساء الآية ٣٥
(٣) جامع البيان لأحكام القرآن جـ ٨ ص ٣١٨ - ٣٣٠.