للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المناقشة: يقال لهم احتجاجكم بهذه الشبهة خطأ من القول لوجوه منها:

الأول: أن النص قد ورد بأن للإنسان أفعالا كما قال تعالى: {كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} (١) فأثبت الله لهم الفعل.

الثاني: أن النص ورد بأن للإنسان اختيارا كما قال تعالى: {وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ} (٢) لأن أهل الدنيا وأهل الجنة سواء في أنه تعالى خالق أعمال الجميع.

وهذا لا يتعارض مع قوله تعالى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ} (٣) الآية؛ لأن الاختيار الذي هو فعل لله تعالى - وهو منفي عما سواه - هو غير الاختيار الذي أضافه إلى خلقه ووصفهم به؛ إذ أن الاختيار الذي توحد الله به هو أنه يفعل ما شاء كيف شاء وإذا شاء وليست هذه صفة شيء من خلقه. وأما الاختيار الذي أضافه الله تعالى إلى خلقه فهو ما خلق فيهم من الميل إلى الشيء والإيثار له على غيره فقط.

ثالثا: أن الاشتراك في الأسماء لا يقع من أجله التشابه ألا ترى أنك تقول الله الحي، والإنسان حي، ولا يوجب هذا اشتباها بلا خلاف، وإنما يقع الاشتباه بالصفات الموجودة في الموصوفين، وهذا غير موجود هنا، إذ أن هناك فرقا بين الفعل الواقع من الله عز وجل، والفعل الواقع منا، وهو أن الله تعالى اخترعه وجعله جسما أو عرضا أو حركة أو سكونا أو معرفة أو إرادة أو كراهية، وفعل عز وجل كل ذلك فينا بغير معاناة منه.

وأما نحن فإنما كان فعلا لنا لأنه عز وجل خلقه فينا وخلق اختيارنا له وأظهره عز وجل فينا محمولا لاكتساب منفعة أو لدفع مضرة ولم نخترعه (٤).


(١) سورة المائدة الآية ٧٩
(٢) سورة الواقعة الآية ٢٠
(٣) سورة القصص الآية ٦٨
(٤) الفصل لابن حزم جـ٣، ص ٢٤ - ٢٥ (بتصرف).