للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

{جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (١). وقال تعالى: {لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} (٢). فنص تعالى على أننا نعمل ونفعل.

وأما الحس: فإن بالحواس وبضرورة العقل وببديهته علمنا علما يقينا لا يخالطه شك أن بين صحيح الجوارح وبين ما لا صحة بجوارحه فرقا واضحا؛ لأن صحيح الجوارح يفعل القيام والقعود وسائر الحركات مختارا لها دون مانع، بخلاف ما لا صحة بجوارحه، فإنه لو أراد ذلك لم يستطع ولا بيان أبين من هذا الفرق.

وأما اللغة: فإن المجبر في اللغة هو الذي يقع الفعل منه بغير اختياره وقصده، فأما من وقع فعله باختياره وقصده فلا يسمى في اللغة مجبرا.

وإجماع الأمة على أنه لا حول ولا قوة إلا بالله مبطل قول المجبرة وموجب أن لنا حولا وقوة ولكن لم يكن ذلك إلا بالله تعالى. ولو كان ما ذهب إليه المجبرة صحيحا لكان قول: لا حول ولا قوة إلا بالله، لا معنى له، وكذلك قوله تعالى: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ} (٣) {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (٤). فنص تعالى على أن لنا مشيئة إلا أنها لا تكون منا إلا أن يشاء الله كونها " (٥).

- وأما الثاني فالإمام ابن القيم حيث يقول - وهو يبين ما اشتملت عليه الفاتحة من الرد على جميع المبطلين -: " فصل: في تضمنها الرد على الجبرية وذلك من وجوه:

الأول: من إثبات عموم حمده سبحانه، فإنه يقتضي ألا يعاقب عبيده على ما لا قدرة لهم عليه ولا هو من فعلهم، بل هو بمنزلة ألوانهم وطولهم وقصرهم،


(١) سورة الواقعة الآية ٢٤
(٢) سورة الصف الآية ٢
(٣) سورة التكوير الآية ٢٨
(٤) سورة التكوير الآية ٢٩
(٥) الفصل لابن حزم جـ٣، ص ٢٣ (بتصرف).