للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بل هو يعاقبهم على نفس فعله بهم فهو الفاعل لقبائحهم في الحقيقة، وهو المعاقب لهم عليها، فحمده عليها يأبى ذلك أشد الإباء، وينفيه أعظم النفي فتعالى من له الحمد كله عن ذلك علوا كبيرا، بل إنما يعاقبهم على نفس أفعالهم التي فعلوها حقيقة، فهي أفعالهم لا أفعاله وإنما أفعاله العدل والإحسان والخيرات.

الثاني: إثبات رحمته ورحمانيته ينفي ذلك إذ لا يمكن مع اجتماع هذين الأمرين قط: أن يكون رحمانا رحيما، ويعاقب العبد على ما لا قدرة له عليه ولا هو من فعله بل يكلفه ما لا يطيقه ولا له عليه قدرة البتة ثم يعاقبه عليه، وهل هذا إلا ضد الرحمة ونقض لها وإبطال؟! وهل يصح في معقول أحد اجتماع ذلك والرحمة التامة الكاملة في ذات واحدة؟

الثالث: إثبات العبادة والاستعانة لهم ونسبتها إليهم بقولهم: " نعبد، ونستعين " وهي نسبة حقيقية لا مجازية والله لا يصح وصفه بالعبادة والاستعانة التي هي من أفعال عبيده، بل العبد حقيقة هو العابد المستعين، والله هو المعبود المستعان به (١).

وأقول: أنه يترتب على القول بهذه البدعة لوازم باطلة منها: القول بإبطال التكليف والثواب والعقاب، وإرسال الرسل وذلك أنه إذا كان العبد مجبورا على عمله فكيف يثاب ويعاقب على ما لم يفعل؟ وكيف يكلف بعمل غيره؟ أليس هذا محض الظلم تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا، ولم أرسل الله الرسل ما دام العبد كالريشة في مهب الرياح؟

فليترك عالم الإنسان دون رسول كما ترك النبات والجماد دون رسول. فإذا كانت هذه اللوازم باطلة فما يؤدي إليها باطل. والله أعلم.


(١) انظر: مدارج السالكين جـ١، ص ٦٥.