للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويقول في موضع آخر: ". . . الذي عليه السلف وأتباعهم وأئمة أهل السنة وجمهور أهل الإسلام المثبتون للقدر المخالفون للمعتزلة إثبات الأسباب وأن قدرة العبد مع فعله لها تأثير كتأثير سائر الأسباب في مسبباتها، والله تعالى خلق الأسباب والمسببات، والأسباب ليست مستقلة بالمسببات بل لا بد لها من أسباب أخر تعاونها ولها مع ذلك أضداد تمانعها والمسبب لا يكون حتى يخلق الله جميع أسبابه ويدفع عنه أضداده المعارضة له وهو سبحانه يخلق جميع ذلك بمشيئته وقدرته كما يخلق سائر المخلوقات، فقدرة العبد سبب من الأسباب وفعل العبد لا يكون بها وحدها بل لا بد من الإرادة الجازمة مع القدرة.

وإذا أريد بالقدرة القوة القائمة بالإنسان، فلا بد من إزالة الموانع كإزالة القيد والحبس ونحو ذلك. . . " (١).

وقال الإمام ابن القيم - بعد أن حكى رأي الجبرية والقدرية -: ". . . فإن قيل فما تقولون أنتم في هذا المقام؟ قلنا: لا نقول بواحد من القولين: نقول هي أفعال العباد حقيقة ومفعولة للرب، فالفعل عندنا غير المفعول وهو إجماع من أهل السنة حكاه الحسين بن مسعود البغوي وغيره، فالعبد فعلها حقيقة والله خالقه وخالق ما فعل به من القدرة والإرادة وخالق فاعليته. . . " (٢).

وقال في موضع آخر: " والصواب أن يقال: تقع الحركة بقدرة العبد وإرادته التي جعلها الله فيه، فالله سبحانه إذا أراد فعل العبد خلق له القدرة والداعي إلى فعله فيضاف الفعل إلى قدرة العبد إضافة المسبب إلى سببه، ويضاف إلى قدرة الرب إضافة المخلوق إلى الخالق. . . إلى أن قال: وإذا عرف هذا فنقول: الفعل وقع بقدرة الرب خلقا وتكوينا، كما وقعت سائر المخلوقات بقدرته وتكوينه وبقدرة العبد سببا ومباشرة، والله خلق الفعل والعبد فعله وباشره، والقدرة الحادثة وأثرها واقعان بقدرة الرب ومشيئته. . . . " (٣).


(١) انظر: الفتاوى جـ٨، ص ٤٨٧ - ٤٨٨.
(٢) انظر: شفاء العليل ص ١٣١.
(٣) شفاء العليل ص ١٤٦ - ١٤٧.