للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويقول شارح الطحاوية: ". . . وقال أهل الحق: أفعال العباد بها صاروا مطيعين وعصاة، وهي مخلوقة لله تعالى، والحق سبحانه منفرد بخلق المخلوقات لا خالق لها سواه، فالجبرية غلو في إثبات القدر. . . والقدرية نفاة القدر جعلوا العباد خالقين مع الله تعالى. . . وهدى الله المؤمنين أهل السنة لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، فكل دليل صحيح يقيمه الجبري فإنما يدل على أن الله خالق كل شيء. . . وكل دليل صحيح يقيمه القدري فإنما يدل على أن العبد فاعل لفعله حقيقة وأنه مريد له مختار. . . فإذا ضممت ما مع كل طائفة منهما من الحق إلى حق الأخرى فإنما يدل ذلك على ما دل عليه القرآن وسائر كتب الله المنزلة من عموم قدرة الله ومشيئته لجميع ما في الكون من الأعيان والأفعال، وأن العباد فاعلون لأفعالهم حقيقة وأنهم يستوجبون عليها المدح والذم " (١).

من هذه النصوص يتضح أن أهل السنة يرون أن الله عز وجل على كل شيء قدير فيقدر أن يهدي العباد ويقلب أفئدتهم، وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، فلا يكون في ملكه ما لا يريد ولا يعجز عن إنفاذ مراده، وأنه خالق كل شيء. ويؤمنون بأن العبد له قدرة ومشيئة وعمل وأنه مختار فيما يفعله، والله خالقه وخالق قدرته ومشيئته وعمله واختياره، فعمل العبد فعل له حقيقة ومفعول لله تعالى، فهو يضاف إلى العبد إضافة المسبب إلى السبب ويضاف إلى الله إضافة المخلوق إلى الخالق والله أعلم.


(١) شرح الطحاوية ص ٤٩٣ - ٤٩٤.