للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال أبو بكر: في فحوى الآية ما يدل على أنه ليس للحكمين أن يفرقا، وهو قوله تعالى: {إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} (١) ولم يقل إن يريدا فرقة، وإنما يوجه الحكمان ليعظا الظالم منهما وينكرا عليه ظلمه وإعلام الحاكم بذلك ليأخذ هو على يده. فإن كان الزوج هو الظالم أنكرا عليه ظلمه، وقالا له: لا يحل لك أن تؤذيها لتخلع منك، وإن كانت هي الظالمة قالا لها: قد حلت لك الفدية وكان في أخذها معذورا لما يظهر للحكمين من نشوزها، فإذا جعل كل واحد منهما إلى الحكم الذي من قبله ما له من التفريق والخلع كانا مع ما ذكرنا من أمرهما وكيلين جائز لهما أن يخلعا إن رأيا وأن يجمعا إن رأيا ذلك صلاحا، فهما في حال شاهدان وفي حال مصلحان وفي حال آمران بمعروف وناهيان عن منكر، ووكيلان في حال إذا فوض إليهما الجمع والتفريق، وأما قول من قال: إنهما يفرقان ويخلعان من غير توكيل الزوجين فهو تعسف خارج عن الكتاب والسنة، والله تعالى أعلم بالصواب. اهـ (٢).

وذكر أبو بكر العربي بأن الحكمين قاضيان لا وكيلان وذكر نصا عن الشافعي بأنهما وكيلان وناقشه ثم ذكر توجيه قول المالكية بأنهما قاضيان فقال: قال الشافعي ما نصه:

الذي يشبه ظاهر الآية أنه فيما عم الزوجين معا حتى يشتبه فيه حالهما، وذلك أنى وجدت الله سبحانه وتعالى أذن في نشوز الزوج بأن يصالحا، وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك وبين في نشوز المرأة بالضرب. وأذن في خوفهما أن لا يقيما حدود الله بالخلع وذلك يشبه أن يكون برضا المرأة.

وحظر أن يأخذ الرجل مما أعطى شيئا إن أراد استبدال زوج مكان زوج. فلما أمر فيما خفنا الشقاق بينهما بالحكمين دل ذلك على أن حكمهما غير حكم الأزواج. فإذا كان كذلك بعث حكما من أهله وحكما من أهلها ولا يبعث الحكمين إلا مأمونين برضا الزوجين وتوكيلهما للحكمين بأن يجمعا أو يفرقا إذا رأيا ذلك ووجدنا حديثا بإسناد يدل على أن الحكمين وكيلان للزوجين.

قال القاضي أبو بكر: هذا منتهى كلام الشافعي، وأصحابه يفرحون به وليس فيه ما يلتفت إليه ولا يشبه نصا به في العلم. وقد تولى القاضي أبو إسحاق الرد عليه ولم ينصفه في الأكثر. والذي يقتضي الرد عليه بالإنصاف والتحقيق أن نقول: أما قوله الذي يشبه ظاهر الآية أنه فيما عم الزوجين فليس بصحيح بل هو نصه وهي من أبين آيات القرآن وأوضحها جلاء فإن الله تعالى قال: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} (٣) ومن خاف من امرأته نشوزا وعظها فإن أنابت وإلا هجرها في المضجع، فإن ارعوت وإلا ضربها، فإن استمرت في غلوائها مشى الحكمان إليهما، وهذا إن لم يكن نصا وإلا فليس في القرآن بيان. ودعه لا يكون نصا. يكون ظاهرا. فأما أن يقول الشافعي: يشبه الظاهر فلا ندري ما الذي يشبه الظاهر. وكيف يقول الله: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} (٤) فنص عليهما جميعا ويقول هو: يشبه أن يكون فيما


(١) سورة النساء الآية ٣٥
(٢) أحكام القرآن جـ٢ ص (٢٣٠ - ٢٣٥) المطبعة البهية عام ١٣٤٧ هـ.
(٣) سورة النساء الآية ٣٤
(٤) سورة النساء الآية ٣٥