للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

{وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} (١) الآية. وأجمعوا على أن الحكمين لا يكونان إلا من أهل الزوجين، أحدهما من قبل الزوج، والآخر من قبل المرأة، إلا أن لا يوجد في أهلها من يصلح لذلك فيرسل من غيرهما. . . وأجمعوا على أن الحكمين إذا اختلفا لم ينفذ قولهما، وأجمعوا على أن قولهما في الجمع بينهما نافذ بغير توكيل واختلفوا في تفريق الحكمين بينهما إذا اتفقا على ذلك هل يحتاج إلى إذن من الزوج أو لا يحتاج إلى ذلك.؟

فقال مالك وأصحابه: يجوز قولهما في الفرقة والاجتماع بغير توكيل الزوجين والإذن منهما في ذلك وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما: ليس لهما أن يفرقا إلا أن يجعل الزوج إليهما التفريق، وحجة مالك ما رواه عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أنه قال في الحكمين: إليهما التفرقة بين الزوجين والجمع. وحجة الشافعي وأبي حنيفة أن الأصل أن الطلاق ليس بيد أحد سوى الزوج أو من يوكله الزوج. واختلف أصحاب مالك في الحكمين يطلقان ثلاثا، فقال ابن القاسم: تكون واحدة، وقال أشهب والمغيرة تكون ثلاثا إن طلقاها ثلاثا.

والأصل أن الطلاق بيد الرجل إلا أن يقوم دليل على غير ذلك. وقد احتج الشافعي وأبو حنيفة بما روى في حديث علي هذا أنه قال للحكمين: هل تدريان ما عليكما؟ إن رأيتما أن تجمعا جمعتما، وإن رأيتما أن تفرقا فرقتما، فقالت المرأة: رضيت بكتاب الله وبما فيه لي وعلي، فقال الرجل أما الفرقة فلا، فقال علي: لا والله لا تنقلب حتى تقر بمثل ما أقرت به المرأة، قال فاعتبر في ذلك إذنه. ومالك يشبه الحكمين بالسلطان، والسلطان يطلق بالضرر عند مالك إذا تبين. اهـ (٢).

وذهب الشافعي إلى أن الحكمين وكيلان وأنه ليس لهما إلا ما وكلا فيه ففي كتاب الأم للشافعي ما نصه: قال الله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا} (٣) الآية، قال: الله أعلم بمعنى ما أراد من خوف الشقاق الذي إذا بلغاه أمره أن يبعث حكما من أهله وحكما من أهلها والذي يشبه (٤) ظاهر الآية أنه فيما عم الزوجين معا حتى يشتبه فيه حالاهما وذلك أني وجدت الله عز وجل أذن في نشوز الزوج أن يصطلحا، وسن رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - ذلك.

وأذن في نشوز المرأة بالضرب، وأذن في خوفهما أن لا يقيما حدود الله بالخلع ودلت السنة أن ذلك برضا من المرأة وحظر أن يأخذ الرجل مما أعطى شيئا إذا أراد استبدال زوج مكان زوج، فلما أمر فيمن خفنا الشقاق بينهما بالحكمين دل ذلك على أن حكمهما غير حكم الأزواج غيرهما وكان يعرفهما بإباية الأزواج أن يشتبه حالاهما في الشقاق فلا يفعل الرجل الصفح ولا الفرقة ولا المرأة تأدية الحق ولا الفدية أو تكون الفدية لا تجوز من قبل مجاوزة الرجل ماله من أدب المرأة وتباين حالهما في الشقاق.


(١) سورة النساء الآية ٣٥
(٢) بداية المجتهد جـ٢ ص٩٨/ ٩٩ الطبعة الثالثة ١٣٧٩ هـ / ١٩٦٠م.
(٣) سورة النساء الآية ٣٥
(٤) قوله والذي يشبه إلى قوله: والتباين. كذا في الأصل، وانظر. كتبه مصححة.