للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والتباين هو ما يصيران فيه من القول والفعل إلى ما لا يحل لهما ولا يحسن ويمتنعان كل واحد منهما من الرجعة ويتماديان فيما ليس لهما، لا يعطيان حقا ولا يتطوعان ولا واحد منهما بأمر يصيران به في معنى الأزواج غيرهما، فإذا كان هكذا بعث حكما من أهله وحكما من أهلها ولا يبعث الحكمان إلا مأمونين وبرضا الزوجين ويوكلهما الزوجان بأن يجمعا أو يفرقا إذا رأيا ذلك.

أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي - رحمه الله تعالى - قال أخبرنا الثقفي عن أيوب عن محمد بن سيرين عن عبيدة عن علي في هذه الآية {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} (١) ثم قال للحكمين هل تدريان ما عليكما؟ إذا رأيتما أن تجمعا أن تجمعا، وإن رأيتما أن تفرقا أن تفرقا. قالت المرأة: رضيت بكتاب الله بما علي فيه ولي، وقال الرجل: أما الفرقة فلا. فقال علي - رضي الله تعالى عنه -: كذبت والله حتى تقر بمثل الذي أقرت به. قال فقول علي - رضي الله تعالى عنه - يدل على ما وصفت من أن ليس للحاكم أن يبعث حكمين دون رضا المرأة والرجل بحكمهما وعلى أن الحكمين إنما هما وكيلان للرجل والمرأة بالنظر بينهما في الجمع والفرقة.

فإن قال قائل: ما دل على ذلك؟ قلنا: لو كان الحكم إلى علي - رضي الله تعالى عنه - دون الرجل والمرأة بعث هو حكمين، ولم يقل: ابعثوا حكمين، فإن قال قائل: فقد يحتمل أن يقول ابعثوا حكمين فيجوز حكمهما بتسمية الله إياهما حكمين. كما يجوز حكم الحاكم الذي يصيره الإمام فمن سماه الله تبارك وتعالى حاكما أكثر معنى، أو يكونا كالشاهدين إذا رفعا شيئا إلى الإمام أنفذه عليهما، أو يقول: ابعثوا حكمين أي دلوني منكم على حكمين صالحين كما تدلوني على تعديل الشهود. قلنا: الظاهر ما وصفنا، والذي يمنعنا من أن نحيله عنه مع ظهوره أن قول علي - رضي الله عنه - للزوج: كذبت والله حتى تقر بمثل الذي أقرت به. يدل على أنه ليس للحكمين أن يحكما إلا بأن يفوض الزوجان ذلك إليهما، وذلك أن المرأة فوضت، وامتنع الزوج من تفويض الطلاق فقال علي - رضي الله عنه -: كذبت حتى تقر بمثل الذي أقرت به. يذهب إلى أنه إن لم يقر لم يلزمه الطلاق وإن رأياه: ولو كان يلزمه طلاق بأمر الحاكم أو تفويض المرأة لقال له: لا أبالي أقررت أم سكت. وأمر الحكمين أن يحكما بما رأياه. اه (٢) وذكر الشيرازي قولين في المذهب أحدهما: أنهما وكيلان والثاني: أنهما حاكمان، فقال: فإن ادعى كل واحد منهما النشوز على الآخر أسكنهما الحاكم إلى جنب ثقة ليعرف الظالم منهما فيمنع من الظلم، فإن بلغا إلى الشتم والضرب بعث الحاكم حكمين للإصلاح أو التفريق لقوله عز وجل {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} (٣) واختلف قوله في الحكمين، فقال في أحد القولين: هما وكيلان فلا يملكان التفريق إلا بإذنهما لأن الطلاق إلى الزوج وبذل المال إلى الزوجة فلا يجوز إلا بإذنهما، وقال في القول الآخر: هما حاكمان فلهما أن يفعلا ما يريان من الجمع والتفريق بعوض وغير عوض لقوله عز وجل {فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} (٤) فسماهما حكمين ولم يعتبر رضا الزوجين.


(١) سورة النساء الآية ٣٥
(٢) الأم ص١١٥ - ١١٧.
(٣) سورة النساء الآية ٣٥
(٤) سورة النساء الآية ٣٥