للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نفسه، ولهذا يقول أصحاب أبي حنيفة: إن المائعات كالماء في الإزالة، وهي كالماء في التنجيس؛ فإذا كانت كذلك لم يلزم من كون الماء يزيلها إذا زال معها أن يزيلها إذا كانت فيه.

ونظير الماء الذي فيه النجاسة الغسالة المنفصلة عن المحل، وتلك نجسة قبل طهارة المحل. وفيها بعد طهارة المحل ثلاثة أوجه: هل هي طاهرة، أو مطهرة، أو نجسة. وأبو حنيفة نظر إلى هذا المعنى فقال: الماء ينجس بوقوعها فيه، وإن كان يزيلها عن غيره كما ذكرناه، فإذا كانت النصوص وقول الجمهور على أنها لا تنجس بمجرد الوقوع مع الكثرة، كما دل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «الماء طهور لا ينجسه شيء (١)» وقوله: «إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث (٢)» فإنه إذا كان طهورا يطهر به غيره، علم أنه لا ينجس بالملاقاة؛ إذ لو نجس بها لكان إذا صب على النجاسة ينجس بملاقاتها، فحينئذ لا ينجس بوقوع النجاسة فيه، لكن إن بقيت عين النجاسة حرمت، وإن استحالت زالت فدل ذلك على أن استحالة النجاسة بملاقاته لها فيه لا ينجس، وإن لم تكن قد زالت عن المحل، فإن من قال: إنه يدفعها عن نفسه، كما يزيلها عن غيره. فقد خالف المشاهدة. وهذا المعنى يوجد في سائر الأشربة من المائعات وغيرها.

الوجه الثاني: أن يقال: غاية هذا أنه يقتضي أنه يمكن إزالة النجاسة بالمائع، وهو أحد القولين في مذهب مالك وأحمد، كما هو مذهب أبي حنيفة وغيره، وأحمد جعله لازما لمن قال: إن المائع لا ينجس بملاقاة النجاسة، وهذا لأنه إذا دفعها عن نفسه دفعها عن غيره كما ذكروه في الماء، فيلزم جواز إزالة النجاسات بكل مائع طاهر مزيل للعين قلاع للأثر على هذا القول، وهذا هو القياس فنقول به على هذا التقدير: وإن كان لا يلزم من دفعها عن نفسه دفعها عن غيره؛ لكون الإحالة أقوى من الإزالة، فيلزم من قال: إنه يجوز إزالة النجاسة بغير الماء من المائعات أن تكون المائعات كالماء، فإذا كان الصحيح في الماء أنه لا ينجس إلا بالتغير إما مطلقا، وإما مع الكثرة، فكذلك الصواب في المائعات.

وفي الجملة التسوية بين الماء والمائعات ممكن على التقديرين، وهذا مقتضى النص والقياس في مسألة إزالة النجاسات، وفي مسألة ملاقاتها للمائعات الماء وغير الماء، ومن تدبر الأصول المنصوصة المجمع عليها، والمعاني الشرعية المعتبرة في


(١) سنن الترمذي الطهارة (٦٦)، سنن النسائي المياه (٣٤٨)، سنن أبو داود الطهارة (٦٦)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٤٢٠).
(٢) سنن الترمذي الطهارة (٦٧)، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (٥١٧)، سنن الدارمي الطهارة (٧٣١).