للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رحمه الله قال: قال أحمد: أكره لحوم الجلالة وألبانها، قال القاضي في المجرد: هي التي تأكل القذر، فإذا كان أكثر علفها النجاسة حرم لحمها ولبنها، وفي بيضها روايتان، وإن كان أكثر علفها الطاهر لم يحرم أكلها ولا لبنها، وتحديد الجلالة بكونه أكثر علفها النجاسة لم نسمعه عن أحمد ولا هو ظاهر كلامه، لكن يمكن تحديده بما يكون كثيرا في مأكولها، ويعفى عن اليسير. وقال الليث: إنما كانوا يكرهون الجلالة التي لا طعام لها إلا الرجيع.

وقال ابن أبي موسى: في الجلالة روايتان؛ إحداهما: أنها محرمة والثانية: أنها مكروهة غير محرمة، وهذا قول الشافعي، وكره أبو حنيفة لحومها والعمل عليها حتى تحبس، ورخص الحسن في لحومها وألبانها؛ لأن الحيوانات لا تنجس بأكل النجاسات، بدليل أن شارب الخمر لا يحكم بتنجس أعضائه، والكافر الذي يأكل الخنزير والمحرمات لا يكون ظاهره نجسا، ولو نجس لما طهر بالإسلام ولا الاغتسال، ولو نجست الجلالة لما طهرت بالحبس، ولنا ما روى ابن عمر قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل الجلالة وألبانها (١)» رواه أبو داود، وروي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإبل الجلالة وأن يؤكل لحمها، ولا يحمل عليها إلا الأدم، ولا يركبها الناس، حتى تعلف أربعين ليلة» رواه الخلال بإسناده. ولأن لحمها يتولد من النجاسة فيكون نجسا كرماد النجاسة.

وأما شارب الخمر فليس ذلك أكثر غذائه، وإنما يتغذى الطاهرات، وكذلك الكافر في الغالب. وتزول الكراهة بحبسها اتفاقا، واختلف في قدره؛ فروي عن أحمد أنها تحبس ثلاثا، سواء أكانت طائرا أو بهيمة، وكان ابن عمر إذا أراد أكلها حبسها ثلاثا، وهذا قول أبي ثور؛ لأن ما طهر حيوانا طهر الآخر، كالذي نجس ظاهره. والآخر تحبس الدجاجة ثلاثا، والبعيرة والبقرة ونحوها يحبس أربعين، وهذا قول عطاء في الناقة والبقرة؛ لحديث عبد الله بن عمرو، ولأنها أعظم جسما، وبقاء علفهما فيهما أكثر من بقائه في الدجاجة والحيوان الصغير (٢).

ومن هذا تبين أن القول بطهارة النجاسات والمياه بالاستحالة، في الحيوانات والنباتات إلى


(١) سنن الترمذي الأطعمة (١٨٢٤)، سنن أبو داود الأطعمة (٣٧٨٥)، سنن ابن ماجه الذبائح (٣١٨٩).
(٢) المغني ومعه الشرح ١١/ ٧١ - ٧٢ ويرجع إلى الإنصاف ١٠/ ٣٦٦ وشرح المفردات ٣١٢.