للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الربا، ويؤخذ من هذه الوقائع أمران:

(الأول): شيوع الربا وسيطرته، بحيث استغرق بتلويثه أموال القرشيين إلى درجة أنه لم يمكن توفير النفقة الكافية الضئيلة لإعادة البناء البسيط للكعبة على وضعه السابق قبل الهدم.

(الثاني): أن القرشيين مع ممارستهم للربا وشيوعه حتى استغرق أموالهم إلى درجة أنها لم تتسع لنفقة بسيطة كنفقة بناء الكعبة، كانوا ينظرون إليه باعتباره كسبا غير نظيف ينبغي أن ينزه عنه بيت الله. فما هو الربا في مفهوم القرشيين؟

لم يكن للقرشين نشاط زراعي؛ لأنهم: بواد غير ذي زرع، فتركز نشاطهم في التجارة مع الحجاج، ومع مزارعي ثقيف، والمستوطنات الزراعية المجاورة كاليمامة، وكان من أبرز أنشطتهم إيلافهم رحلة الشتاء والصيف، وتمول هاتان الرحلتان في بعض الأحيان بالائتمان عن طريق عقد المضاربة (المشاركة في الربح والخسارة)، ولكن طبائع الأمور تقتضي افتراض أن للاقتراض الربوي الدور الواسع في مختلف صور النشاط التجاري، كما تدل على ذلك النصوص المحفوظة.

وبما سبق تبين افتراض أن مفهوم الربا عند القرشيين لا يختلف عن المفهوم الشائع للربا عند مختلف الشعوب، وهو تقديم الممول المال لمحتاج التمويل لأجل في نظير أو مقابل للأجل هو الربا أي الزيادة.

والربا، بهذا المفهوم، هو الذي عرفته القوانين البابلية والآشورية والفرعونية، وهو المعروف عند الإغريق والرومان أن المقولة المشهورة المنسوبة لأرسطو: (النقود لا تلد نقودا) وردت قبل ثلاثة وعشرين قرنا على لسان هذا الفيلسوف الإغريقي الوطني تسببا للحكم بأن الربا سلوك غير أخلاقي، والربا بهذا المفهوم هو الذي جاءت الشريعة الموسوية ثم المسيحية بتحريمه.