للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقد حرمته التوراة (١)، إلا أن اليهود من بعد موسى -مع احتفاظهم بتحريمه بين اليهود - أجازوه بين اليهود وغيرهم على أساس أن أموال غير اليهود حلال لليهود؛ فهم حين يأخذون الربا من الأميين إنما يأخذون أموالهم، قال الله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ} (٢)، جاء في الإصحاح فقرة ٢٣/ ١٩ - ٢٠ من سفر التثنية من التوراة المحرفة: " لا تقرض أخاك بربا، ربا فضة، أو ربا شيء مما يقرض بربا، للأجنبي تقرض بربا، ولكن لأخيك لا تقرض بربا ".

وقد شنع الله على اليهود بهذا، وتوعدهم بالعذاب الأليم: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا} (٣) {وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} (٤)، وليس المقصود في الآية -والله أعلم- مجرد الإخبار بهذه الواقعة، وإنما التحذير منها.

وكان اعتياد اليهود لممارسة جريمة الربا سببا في كراهية العالم لهم، وتشنيعه عليهم، لا سيما العالم المسيحي الأوربي، ومن آثار ذلك مسرحية شكسبير المشهورة (تاجر البندقية).

ثم جاءت الشريعة المسيحية بتأكيد تحريم الربا دون اعتبار لطرفي العقد الربوي، ومن آثار هذا التحريم الآيتان ٢٤ و ٢٥ من الفصل السادس من إنجيل لوقا: (إذا أقرضتم لمن تنتظرون منهم المكافأة فأي فضل يعرف لكم؟ ولكن افعلوا الخيرات، وأقرضوا غير منتظرين عائداتها)، ويقول سان توما: (إن تقاضي الفوائد عن النقود أمر غير عادل، فإن هذا معناه استيفاء دين لا وجود له).

ومع أنه بانتصار العلمانية في العالم الغربي، وبالتالي التحرر من القيود الدينية المسيحية بغلبة فكرة النسبية في الأخلاق، قد أبيحت الفائدة على


(١) انظر الملحق بعنوان "ربا اليهود".
(٢) سورة آل عمران الآية ٧٥
(٣) سورة النساء الآية ١٦٠
(٤) سورة النساء الآية ١٦١