فافترض الشيخ محمد رشيد أن الربا الذي كانت تمارسه قريش على صورة واحدة، هي صورة (إما أن تقضي وإما أن تربي)؛ حيث يوجد دين ناشئ عن بيع أو قرض إلى أجل، وعند حلول الأجل يطلب الدائن من المدين: إما الوفاء أو زيادة الدين، نظير تمديد الأجل، ثم افترض أن الربا الذي صرحت بتحريمه آيات سورة البقرة مقصود به هذه الصورة فقط من صور الربا.
ولما كانت نصوص الحديث الثابتة صريحة في إدخال صور أخرى، ومنها بيوع ربا الفضل؛ حيث يباع مال ربوي كالذهب والتمر بجنسه نقدا، بزيادة نظير الاختلاف في النوعية مثلا، ومنها بيع ربا النسيئة؛ حيث يباع المال الربوي بمثله نسيئة أي إلى أجل بزيادة نظير الأجل، ومن ضمنها ما يسمى في الوقت الحاضر القرض بفائدة، فافترض أن هذه الصور ورد النهي عنها، لا لأنها مقصودة بالنهي بالذات، وإنما لأنها ذريعة إلى الصورة الخاصة من الربا التي افترض أن القرآن ورد بالنهي عنها على نحو ما سبق.
ثم افترض أن النهي في الصور الأخرى يحتمل الكراهة، لا التحريم، أو أن المراد به خلاف الأولى، وأن الراوي فهم أن المراد التحريم.
وبناء على ما سبق رأى أنه يمكن إخراج القروض البنكية بفائدة من مفهوم الربا المحرم؛ فيجوز للمسلم -ولاسيما في ظروف الفتوى- أن يأخذ فائدة عن أمواله التي يودعها في البنك، واضح أن هذه المحاولة تحصر الربا المحرم في منطقة ضيقة جدا من المفهوم المعروف عند الناس للربا، حيث تتحدد هذه المنطقة بصورة من صور الفوائد التأخيرية الاتفاقية، وهي الصورة التي يتم فيها الاتفاق على الربا، عند حلول أجل الدين؛ فهي تخرج من الربا المحرم بالنص كل صور الفوائد التعويضية، سواء كانت فائدة بسيطة أو فائدة مركبة، وسواء كانت فائدة قليلة أو فائدة فاحشة؛ أي أنها تخرج -فيما عدا الصورة المشار إليها- كل الصور التي تحرمها التشريعات العلمانية الحديثة، بما فيها التقنينات العربية، والتي تعتبرها هذه التشريعات والتقنينات من صميم الربا، وتعاقب عليها كأي جريمة جنائية.