للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فانتفت الشفعة، قال في المنهاج: وكل ما لو قسم منفعته المقصودة كحمام ورحى لا شفعة فيه على الأصح. اهـ (١).

وقال في المجموع: ولا تجب إلا فيما تجب قسمته عند الطلب، فأما ما لا تجب قسمته كالرحى والبئر الصغيرة والدار الصغيرة فلا تثبت فيه الشفعة، وقال أبو العباس: تثبت فيه الشفعة لأنه عقار فتثبت فيه الشفعة قياسا على ما تجب قسمته، والمذهب الأول لما روى عن أمير المؤمنين عثمان - رضي الله عنه - أنه قال: لا شفعة في بئر والأرف تقطع كل شفعة ولأن الشفعة إنما تثبت للضرر الذي يلحقه بالمقاسمة وذلك لا يوجد فيما لا يقسم. اهـ (٢).

وذكر الشربيني: وجه الخلاف في المذهب في ذلك فقال: هذا الخلاف مبني على ما مر من أن علة ثبوت الشفعة دفع ضرر مؤونة القسمة واستحداث المرافق الخ. . والثاني مبني على أن العلة دفع ضرر الشركة فيما يدوم وكل من الضررين حاصل قبل البيع، ومن حق الراغب فيه من الشريكين أن يخلص صاحبه منهما بالبيع له فإذا باع لغيره سلطه الشرع على أخذه منه لما روى مسلم عن جابر: «قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالشفعة في كل شركة ربعة أو حائط لا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه فإن شاء أخذ وإن شاء ترك، فإذا باع ولم يؤذنه فهو أحق به (٣)» اه" (٤).

وقال ابن قدامة - رحمه الله -: الشرط الثالث أن يكون المبيع مما يمكن قسمته فأما ما لا يمكن قسمته من العقار كالحمام الصغير والرحى الصغيرة والعضادة والطريق الضيقة والعراص الضيقة فعن أحمد روايتان، إحداهما: لا شفعة فيه وبه قال يحيى بن سعيد وربيعة والشافعي. . والثانية فيها الشفعة - إلى أن قال - والأول ظاهر المذهب لما روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال «لا شفعة في فناء ولا طريق ولا منقبة» والمنقبة الطريق الضيقة، رواه أبو الخطاب في رؤوس المسائل، وروي عن عثمان - رضي الله عنه - أنه قال: لا شفعة في بئر ولا فحل. ولأن إثبات الشفعة في هذا يضر بالبائع لأنه لا يمكنه أن يتخلص من إثبات الشفعة في نصيبه بالقسمة، وقد يمنع المشتري لأجل الشفيع فيتضرر البائع وقد يمتنع البيع فتسقط الشفعة فيؤدي إثباتها إلى نفيها، ويمكن أن يقال: إن الشفعة إنما تثبت لدفع الضرر الذي يلحقه بالمقاسمة لما يحتاج إليه من إحداث المرافق الخاصة ولا يوجد هذا فيما لا ينقسم.

وقولهم: إن الضرر ههنا أكثر لتأبده، قلنا إلا أن الضرر في محل الوفاق من غير جنس هذا الضرر وهو ضرر الحاجة إلى إحداث المرافق الخاصة فلا يمكن التعدية، وفي الشفعة ههنا ضرر غير موجود في محل الوفاق وهو ما ذكرناه فتعذر الإلحاق. اه (٥).

وقد اختلفت الرواية عن الإمام مالك - رحمه الله - في ذلك قال أبو عبد الله المواق: قال ابن رشد الشفعة إنما تكون فيما ينقسم من الأصول دون ما لا ينقسم وهذا أمر اختلف فيه أصحاب مالك في المدونة


(١) المنهاج ومعه شرحه المغني ج٢ ص٢٩٧.
(٢) المجموع ج١٤ ص١٣٢ والأرف جمع أرفة كغرفة وهي الحد بين الشيئين.
(٣) صحيح البخاري الشركة (٢٤٩٥)، صحيح مسلم المساقاة (١٦٠٨)، سنن النسائي البيوع (٤٧٠١)، سنن أبو داود البيوع (٣٥١٣)، سنن ابن ماجه الأحكام (٢٤٩٩)، مسند أحمد بن حنبل (٣/ ٣١٠)، سنن الدارمي البيوع (٢٦٢٨).
(٤) مغني المحتاج ج٢ ص٢٩٧.
(٥) المغني ج٥ ص٢٥٩ - ٢٦٠.