للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال مالك: إذا كانت نخلة بين رجلين فباع أحدهما حصته فلا شفعة لصاحبه فيها، وفي المدونة أيضا قال مالك: في الحمام الشفعة، وهو أحق أن تكون فيه الشفعة من الأرض لما في قسم ذلك من الضرر، وقاله مالك وأصحابه أجمع. اهـ (١).

وذهب الحنفية ومن وافقهم من الشافعية والمالكية والحنابلة إلى ثبوت الشفعة في العقار مطلقا سواء أمكن قسمته أم لم تمكن، وهذا القول رواية عن الإمام أحمد اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - وغيره من أصحابه كما اختاره بعض أصحاب الشافعي كأبي العباس بن سريج وهو رواية المهذب عن الإمام مالك - رحمه الله -.

قال السرخسي: واستحقاق الشفعة في الحمام والرحى قولنا - وذكر توجيه ذلك - بأنه لدفع ضرر البادئ بسوء المجاورة على الدوام وذلك فيما لا يحتمل القسمة موجود لاتصال أحد المالكين بالآخر على وجه التأبيد، والقرار وحجتنا في ذلك ما رويناه من حديث جابر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «الشفعة في كل شيء ربع أو حائط (٢)» ولأن الحمام لو كان مهدوما فباع أحد الشريكين نصيبه كان للشريك الشفعة وما يستحق بالشفعة مهدوما يستحق بالشفعة مثبتا كالشقص من الجدار ثم أجاب عن القول بأن علة الشفعة دفع ضرر مؤونة القسمة وأنه لا قسمة فيما لا يقبلها فقال: وبهذا يتبين أن مؤونة المقاسمة إن كانت لا تلحقه في الحال فقد تلحقه في الثاني وهو ما بعد الانهدام إذا طلب أحدهما قسمة الأرض بينهما. اهـ (٣).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: اتفق الأئمة على ثبوت الشفعة في العقار الذي يقبل القسمة قسمة الإجبار كالقرية والبستان ونحو ذلك، وتنازعوا فيما لا يقبل قسمة الإجبار وإنما يقسم بضرر أو رد عوض فيحتاج إلى التراضي، هل تثبت فيه الشفعة؟ على قولين:

أحدهما: تثبت وهو مذهب أبي حنيفة واختاره بعض أصحاب الشافعي كابن سريج وطائفة من أصحاب أحمد كأبي الوفاء بن عقيل وهي رواية المهذب عن مالك وهذا القول هو الصواب كما سنبينه إن شاء الله.

والثاني: لا تثبت فيه الشفعة - ثم قال - والقول الأول أصح فإنه قد ثبت في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «من كان له شريك في أرض أو ربعة أو حائط فلا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه فإن شاء أخذ وإن شاء ترك فإن باع ولم يؤذنه فهو أحق به (٤)»، ولم يشترط النبي - صلى الله عليه وسلم - في الأرض والربعة والحائط أن يكون مما يقبل القسمة فلا يجوز تقييد كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بغير دلالة من كلامه لا سيما وقد ذكر هذا في باب تأسيس إثبات الشفعة وليس عنه لفظ صحيح صريح في الشفعة أثبت من هذا ففي الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - «أنه قضى بالشفعة في كل ما لم يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة (٥)» فلم يمنع الشفعة إلا مع إقامة الحدود وصرف الطرق وهذا الحديث في الصحيح عن جابر وفي السنن عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال «الجار أحق بشفعة جاره ينتظر بها وإن


(١) التاج والإكليل على شرح مختصر خليل ج٥ ص٣١٥.
(٢) سنن الترمذي الأحكام (١٣٧١).
(٣) المبسوط ج١٤ ص١٣٥.
(٤) صحيح مسلم المساقاة (١٦٠٨)، سنن الترمذي البيوع (١٣١٢)، سنن النسائي البيوع (٤٧٠١)، سنن أبو داود البيوع (٣٥١٣)، مسند أحمد بن حنبل (٣/ ٣٥٧)، سنن الدارمي البيوع (٢٦٢٨).
(٥) سنن أبو داود البيوع (٣٥١٥)، سنن ابن ماجه الأحكام (٢٤٩٧).