للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كان غائبا إذا كان طريقهما واحدا (١)» فإذا قضى بها للاشتراك في الطريق فلأن يقضى بها للاشتراك في رقبة الملك أولى وأحرى - إلى أن قال - وأيضا فمن المعلوم أنه إذا أثبت النبي - صلى الله عليه وسلم - الشفعة فيما يقبل القسمة فما لا يقبل القسمة أولى بثبوت الشفعة فيه، فإن الضرر فيما يقبل القسمة يمكن رفعه بالمقاسمة وما لا يمكن فيه القسمة يكون ضرر المشاركة فيه أشد، وظن من ظن أنها تثبت لرفع ضرر المقاسمة لا لضرر المشاركة كلام ظاهر البطلان فإنه قد ثبت بالنص والإجماع أنه إذا طلب أحد الشريكين القسمة فيما يقبلها وجبت إجابته إلى المقاسمة. ولو كان ضرر المشاركة (٢) أقوى لم يرفع أدنى الضررين بالتزام أعلاهما ولم يوجب الله ورسوله الدخول في الشيء الكثير لرفع الشيء القليل فإن شريعة الله منزهة عن مثل هذا.

وأما قولهم هذا يستلزم ضرر الشريك البائع، فجوابه: أنه إذ طلب المقاسمة ولم يمكن قسمة العين فإن العين تباع ويجبر الممتنع على البيع ويقسم الثمن بينهما، وهذا مذهب جمهور العلماء كمالك وأبي حنيفة وأحمد. اهـ (٣).

وقال ابن قدامة - رحمه الله - في معرض توجيه القول بثبوت الشفعة فيما لا تمكن قسمته بعد أن ذكر أنه رواية عن الإمام أحمد - رحمه الله - ووجه هذا عموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: «الشفعة فيما لم تقسم (٤)» وسائر الألفاظ العامة ولأن الشفعة ثبتت لإزالة ضرر المشاركة والضرر في هذا النوع أكثر لأنه يتأبد ضرره. اهـ (٥).

وسئل الشيخ حمد بن ناصر والشيخ عبد الله بن الشيخ محمد - رحمهما الله - عن الشفعة في أرض لا تمكن قسمتها إجبارا فأجابا: هذه المسألة اختلف الفقهاء فيها وفيها قولان للعلماء هما روايتان عن أحمد.

الأولى: أن الشفعة لا تثبت إلا في المبيع الذي تمكن قسمته فأما مالا تمكن قسمته من العقار كالحمام الصغير والعضادة والطريق الضيقة فلا شفعة فيه وبه قال يحيى بن سعيد والشافعي، وهذا هو المذهب عند المتأخرين من الحنابلة، قال الموفق في المغني: وهو ظاهر المذهب لما روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «لا شفعة في فناء ولا في طريق في منقبة» والمنقبة الطريق الضيق رواه أبو الخطاب في رؤوس المسائل.

والرواية الثانية: تثبت الشفعة فيه وهو قول أبي حنيفة والثوري وابن سريج ورواية عن مالك واختاره ابن عقيل وأبو محمد الجوزي والشيخ تقي الدين، قال الحارثي وهو الحق لعموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: «الشفعة فيما لم يقسم (٦)» وسائر الألفاظ ولأن الشفعة تثبت لإزالة الضرر بالمشاركة والضرر في هذا النوع أكثر لأنه يتأبد ضرره وهذا هو المفتى به عندنا وهو الراجح. اه (٧).

وقال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي - رحمه الله - إجابة لسؤال وجه إليه عن رأيه في اشتراط أن تكون الشفعة في أرض تجب قسمتها ما نصه: وأما المسألة الثانية وهي أنهم رحمهم الله لم يثبتوا الشفعة إلا في العقار الذي يمكن قسمته دون ما لا تمكن قسمته فهذا ضعيف أيضا لأن حديث جابر المرفوع «قضى صلى الله عليه


(١) سنن أبو داود البيوع (٣٥١٨)، مسند أحمد بن حنبل (٣/ ٣١٠).
(٢) هكذا في المطبوع ولعل الصواب: ضرر المقاسمة.
(٣) المجموع ج٣٠ ص (٣٨١ - ٣٨٤).
(٤) صحيح البخاري الشركة (٢٤٩٥)، صحيح مسلم المساقاة (١٦٠٨)، سنن النسائي البيوع (٤٧٠١)، سنن ابن ماجه الأحكام (٢٤٩٩)، مسند أحمد بن حنبل (٣/ ٣٧٢)، سنن الدارمي البيوع (٢٦٢٨).
(٥) المغني ج٥ ص٢٥٩.
(٦) سنن النسائي البيوع (٤٧٠٤)، سنن أبو داود البيوع (٣٥١٤)، سنن ابن ماجه الأحكام (٢٤٩٩)، مسند أحمد بن حنبل (٣/ ٢٩٦)، موطأ مالك الشفعة (١٤٢٠).
(٧) الدرر السنية ج٥ ص٢٢٦.