للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عنها، فاختطب، فقال: إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وايم الله، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها (١)»، فكان هذا درسا، تأدب به أسامة رضي الله عنه، بعدم الشفاعة في حد من حدود الله، ولم يرو عنه شيء من ذلك بعد ذلك، بل توقف عن الشفاعة، وكان ابن سعد قد ذكر «أن أسامة كان يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشيء فيشفعه فيه، فأتاه مرة في حد، فقال: يا أسامة، لا تشفع في حد من حدود الله (٢)».

فما كان رضي الله عنه لينهى عن شيء ويأتيه، وهو الذي يدرك جيدا دلالة قول الله جل وعلا: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (٣)، كما أنه قد ذكر عائشة بالخير- عندما خاض الناس في حديث الإفك (٤) ٤ - كان بارا بوالدته رضي الله عنهما: أم أيمن حاضنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويحرص على إجابة كل مطلب ترغبه منه، وفي عهد عثمان رضي الله عنه، بلغت النخلة ألف درهم، قال محمد بن سيرين: فعمد أسامة بن زيد رضي الله عنهما إلى نخلة فنقرها، وأخرج جمارها فأطعمها أمه، فقالوا له: ما يحملك على ذلك، وأنت ترى النخلة قد بلغت ألف درهم؟ قال: إن أمي سألتنيه، ولا تسألني شيئا أقدر عليه إلا أعطيتها (٥).

وهذه مكانة رفيعة في حسن الأدب مع الوالدين، والحرص على برهما؛ امتثالا لأمر الله جل وعلا، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم في الحرص على الوفاء للوالدين بحقهما، والاهتمام ببرهما، وأداء ما يجب نحوهما؛ لأن رضاهما من رضا الله، وطاعتها بالمعروف من طاعة الله.


(١) طبقات ابن سعد ٤: ٧٠.
(٢) الطبقات ٤: ٦٩.
(٣) سورة الحشر الآية ٧
(٤) دائرة المعارف الإسلامية ٣: ٢٢٩.
(٥) طبقات ابن سعد ٤: ٧١.