للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ميمونة أنها رأت قريبا لها، وقد أرخى إزاره بطنه، فلامته في ذلك ملامة شديدة، فقال لها: إني قد رأيت أسامة بن زيد رخي إزاره، فقالت: كذبت، ولكن كان ذا بطن، فلعل إزاره كان يسترخي إلى أسفل بطنه (١).

وأسامة بن زيد الذي رفعه الله بالإسلام؛ فأنقذه الله ومن قبله والده من الرق، وأكرمهما بمحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم لهما، واختصاصها ليكونا ممن يحوطهما بحنانه الأبوي، ويخصها بدعاء يرفع الله به منزلتهما في الآخرة، كما شوهد عيانا رفع منزلتهما في الدنيا، بالذكر الحسن والتوفيق في المهمات، وحسن الاستجابة لأمر الله وأمر رسوله، وطواعيتهما الصادقة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

كان أسامة رضي الله عنه هو خير من أدرك هذه المكانة، وجميع صحابة رسول الله خيار، ويهتمون بكل عمل خير؛ فكان في تصرفاته متمثلا للشكر على ما تفضل الله به عليه، قدوة في التنفيذ، وحرصا على العمل، واهتماما بدلالة النص من مصدره الشرعي، وتواضعا في النفس، وتلمسا لمداخل الخير، وأداء لما فرض الله عليه: شرفا للصحبة الكريمة، ومحبة لله ولرسوله، وإخلاصا في العمل، وفي إمرته على الجيش في الشام كان مظفرا موفقا.

ذلك أن الصفات النبيلة والأخلاق الرفيعة قد وقرت في نفوسهم؛ أخذا من كتاب الله الذي كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما قالت عائشة رضي الله عنها (٢)؛ لأن امتثال القرآن، أمرا ونهيا، سجية له صلى الله عليه وسلم، وخلق تطبعت به نفسه، فترك طبعه الجبلي، فمهما أمره القرآن فعله، ومهما نهاه عنه تركه، هذا مع ما جعله الله عليه من الخلق العظيم، من الحياء والكرم والشجاعة والصفح والحلم، وكل خلق جميل.

فكانت هذه الصفات النبوية والأخلاق الكريمة، قدوة لصحابته، يتحلون بها، ويهتمون باحتذائها وتلمس مداخلها لينتهجوها قدوة صالحة، وأسامة بن زيد واحد من أبناء مدرسة النبوة، بل هو من ألصق الصحابة بها، منذ التحق


(١) طبقات ابن سعد ٤: ٧١.
(٢) انظر تفسير ابن كثير ٤: ٤٠٢.