خزايا لم تنالوا ثم خيرا ... وكدتم أن تكونوا دامرينا
بريح عاصف هبت عليكم ... فكنتم تحتها متكمهينا
* الشوابك: التي يتشبث بها فلا يفلت * الفل: المنهزمون * الشديد: الطريد * الدامر: الهالك * المتكمه: الأعمى الذي لا يبصر.
بهذا النص يكشف الشاعر عن حقيقة رواها التاريخ وهي رجوع الأحزاب دون حرب، وقد شردوا في الآفاق وكادوا يهلكون، ويلتقي البيت الأخير مع قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا} (١)
ويصور الشاعر في الشطر الأخير حالة الأحزاب وقد عميت أبصارهم حينما هبت عليهم الريح العاصفة.
* * *
وقال كعب في غزوة الخندق كذلك من قصيدة طويلة:
من سره ضرب يمعمع بعضه ... بعضا كمعمعة الأباء المحرق
فليأت مأسدة تسن سيوفها ... بين المذاذ وبين جزع الخندق
دربوا بضرب المعلمين وأسلموا ... مهجات أنفسهم لرب المشرق
في كل سابغة تخط فضولها ... كالنهي هبت ريحه المترقرق
بيضاء محكمة كأن قتيرها ... حدق الجنادب ذات شك موثق
* المعمعة: صوت التهاب النار * الأباء: العصب * المأسدة: موضع الآساد * المعلمون: الذين ميزوا أنفسهم في الحروب بعلامة * السابغة: الدرع * تخط فضولها: ينجر على الأرض ما فضل منها * النهي: بتشديد النون المكسورة الغدير * المترقرق: الذي تصفقه الريح فيجيء ويذهب * القتير: مسامير الدرع * الجنادب: ذكور الجراد * الشك: إحكام السرد.
قدم الشاعر في هذه الأبيات صورة لبعض ما وقع من ضروب المبارزة بين الشجعان الأقوياء، ورأى أن ذلك الضرب العنيف يسر الشجعان حيث يشد أنظارهم وأسماعهم صليل السيوف وحركتها، وفي قعقعة أصواتها ما يشبه قعقعة القصب حين تلتهمه ألسنة اللهب، فمن شاء رؤية ذلك فليأت تلك المأسدة التي تسن سيوف أصحابها بين مراتع الخيول والوادي الذي لا شجر فيه عند الخندق، فأولئك تدربوا على ضرب الذين علموا أنفسهم بعلامة يعرفون بها وكأنهم دربوا على ضرب من يتحداهم وقد أسلموا أرواحهم لربهم وإنهم ليلبسون الدروع السابغة التي انحطت فضولها حتى انجرت على الأرض وهي تروح وتجيء كأمواج الغدير التي حركتها الريح، وإنها محكمة النسج وكأن مساميرها حدق ذكر الجراد، وهي ذات إحكام وتوثيق.
(١) سورة الأحزاب الآية ٩