للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حرثيا، فخرج على صدر راحلته أمامه، فغزى حتى أتى أبنى، فنظر إلى ما هناك وارتاد الطريق، ثم رجع سريعا حتى لقي أسامة على مسيرة ليلتين من أبنى، فأخبره أن الناس غارون ولا جموع لهم، وأمره أن يسرع السير، قبل أن تجتمع الجموع، وأن يشنها غارة (١).

وفي هذه الغزوة التي سرد ابن عساكر بعض وقائعها، يقول ابن كثير في تاريخه: فأغار أسامة على تلك البلاد، وغنم وسبى، وكر راجعا سالما مؤيدا (٢).

وذكر الكاندهلوي أن جيش أسامة، لما خرج لوجهه الذي أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم - أبلى بلاء حسنا، ولقي من الروم مقاومة شديدة، ولكن الله سلمه، وغنم هو وجيشه وردهم الله إلى المدينة صالحين (٣).

وكانت هذه المعركة التي قادها أسامة، بإمرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذات دروس عديدة أفادت الإسلام في عاجل أمره نصرا وتثبيتا، وقوة وتمكينا في النفوس، وفي آجل أمره بما يستفيده القادة العسكريون والإداريون، من مصالح تبرز أمامهم في كل موقف يعترضهم، وتتبدى نتائجه في كل معضلة يراد منها تفكيك القوة، ودس بذور التخاذل في الصفوف، وما أكثر الفوائد والمصالح التي يجب أن يستنار بها، والمماثلة لهذه البعثة، وما اكتنفها من أمور، حتى تقوى العزائم، وينضج الفكر المرشد للأمور المهمة، لما في الرأي الصائب من مصلحة نحو الإسلام، ومردود في تفهيم الناس لما تنطوي عليه تعاليمه، ودور الرجال المخلصين في توجيه الأمور بنظرتهم البعيدة الصادقة المخلصة. ومن صدق مع الله ألهمه الله الحكمة، وبصره بمواطن الزلل، فسار نحو الأصلح، وتجافى عن الأمور الضارة، وما التوفيق إلا من عند الله.


(١) تهذيب ابن عساكر ١: ١٢٠.
(٢) البداية والنهاية ٥: ٣١٢.
(٣) حياة الصحابة ١: ٤١٣.