للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نزول الوحي، بدأها بأول كلمة في أول سورة نزلت، وهي (اقرأ)؛ ففيها قراءتان متواتران؛ الأولى: هي قراءة الجمهور بهمزة ساكنة، والثانية قراءة عاصم بحذف الهمزة (اقرا يقرا كسعى يسعى) (١).

وإنه لأمر يسترعي الانتباه أن تكون أول كلمة، في أول سورة نزلت، كلمة اقرأ، وأن يكون القرآن والقراءات مشتقا من مشتقاتها.

بعد هذا التمهيد أرى أن الحديث عن مصدر القراءات هو الحاسم لكثير من الشبه والأضاليل، التي يتمسك بها المستشرقون، والتي كان لأقوال بعض المفسرين، وبعض العلماء قدر غير يسير في الإسهام، في مد أولئك الملحدين، بشيء من أسباب الضلالة من غير قصد منهم رحمهم الله إلى شيء من ذلك بطبيعة الحال، ولكنهم رحمهم الله لما لم يلزموا جانب الحيطة والحذر، وأقصى غايات الحذر، في هذا الأمر الجلل- فقد أمدوا، من حيث لا يشعرون، من في قلبه مرض واستعداد طبيعي لاتخاذ كل شاردة وواردة من القول صيدا ثمينا، وفرصة ذهبية للنيل من مقدسات هذه الأمة وقرآنها.

أقول: إن المصدر الوحيد للقراءات إنما هو الوحي النازل من السماء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، الذي بلغه بكل دقة وبكل حركة إلى أصحابه الكرام، فكان يقرئهم إياه، كما أنزل؛ كما روى ابن مسعود «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرئهم العشر، فلا يجاوزونها إلى عشر أخرى، حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل فإذا ما علمهم القرآن، فأتقنوا تلاوته أحب أن يسمعه منهم توثيقا لما سمعوه عنه (٢)».

روى البخاري ومسلم عن ابن مسعود، رضي الله عنه، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقرأ علي القرآن، قلت: يا رسول الله، أقرأ عليك، وعليك أنزل؟ قال: إني أحب أن أسمعه من غيري، فقرأت عليه سورة النساء، حتى إذا جئت إلى هذه الآية:


(١) ورد في كتب القراءات أنها قراءة متواترة وسبعية.
(٢) والحديث صحيح، وأورده القرطبي في جامعه جـ ١/ ٣٩.
(٣) صحيح البخاري تفسير القرآن (٤٥٨٢)، صحيح مسلم صلاة المسافرين وقصرها (٨٠٠)، سنن الترمذي تفسير القرآن (٣٠٢٥)، سنن أبو داود العلم (٣٦٦٨)، مسند أحمد بن حنبل (١/ ٤٣٣).