للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الله لنفسه، بما ركب من خداعه ربه ورسوله والمؤمنين بنفاقه؛ فلذلك وجب الصحة لقراءة من قرأ (وما يخادعون)، ومن الأدلة أيضا على أن قراءة من قرأ (وما يخدعون) أولى بالصحة من قراءة من قرأ (وما يخدعون)؛ إن الله جل ثناؤه قد أخبر عنهم أنهم يخادعون الله والمؤمنين، في أول الآية، فمحال أن ينفي عنهم ما قد أثبت أنهم قد فعلوه؛ لأن ذلك تضاد في المعنى، وذلك غير جائز من الله عز وجل " (١).

يفهم، مما سبق، أن الإمام الطبري اعتمد في ترجيح قراءة متواترة على مثلها، وجعل قوة القراءة لما تحمله من معنى، وليس لقوة سندها المبني على النقل والسماع.

ثالثا:

موقفه من القراءات المخالفة للرسم القرآني

لئن كان الطبري مخطئا في طعنه في القراءات، في القسمين الأوليين، فهو محق ومصيب في رفضه ورده لكل قراءة لا توافق الرسم القرآني.

ففي قوله تعالى: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ} (٢).

يقول الطبري:

" قرئ (صما بكما عميا)؛ أي بالرفع والنصب، والقراءة التي هي قراءة، الرفع دون النصب؛ لأنه ليس لأحد خلاف رسوم مصاحف المسلمين، وإذا قرئ نصبا- كانت قراءة مخالفة رسم مصاحفهم، وفي قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} (٣)، ذكر القراءة المتواترة، ثم ذكر قراءات أخرى، مثل: (يطوقونه)، ثم وصفها بأنها شاذة؛ لأنها مخالفة لرسم مصاحف المسلمين. يقول: وأما قراءة من قرأ ذلك (وعلى الذين يطوقونه)؛ فقراءة لمصاحف أهل الإسلام خلاف وغير جائز.


(١) تحقيق القراءة من النشر ٢٠٧، وانظر تفسيره ١/ ٢٧٧
(٢) سورة البقرة الآية ١٨
(٣) سورة البقرة الآية ١٨٤